دعوة لتحقيق العدالة والمساواة والتغيير الهيكلي
بينما ينعقد مؤتمر الأطراف 29 في باكو، تعبر منظمات المجتمع المدني، وخاصة الناشطات النسويات والمدافعين عن حقوق دول الجنوب العالمي، عن قلق عميق بشأن نقص الطموح والعدالة في مفاوضات تمويل المناخ الحالية، حيث إن الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) لتمويل المناخ يهدف إلى أن يحل محل الهدف غير المحقق البالغ 100 مليار دولار الذي تم تحديده عام 2009، في الوقت الذي تحتاج فيه دول الجنوب العالمي لتمويل مناخي لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنويًا لتتمكن من مواجهة لأزمة المناخ.
ومع ذلك، بدلاً من التقدم إلى الأمام، فإن المقترحات المطروحة على الطاولة – أي 300 مليار دولارمن التمويل غير العادل ومنخفض الجودة والموجه نحو السوق بحلول عام 2035 – تمثل خطوة كبيرة إلى الوراء، مما يترك الدول الهشة بدون الموارد التي تحتاجها لمواجهة أزمة المناخ بفعالية.
فمن الواضح اذن أن الملوثين الرئيسيين لايضطلعون بمسؤوليتهم بشأن قروض المناخ في حين يسعون إلى فرض مقاربة كولونيالية جديدة تحت غطاء تمويل المناخ. وهنا مرة أخرى يتم خرق الثقة بينما يفشل النظام الاقتصادي العالمي في الاستجابة لقضايا دول الجنوب.
ديون المناخ: قضية عدالة
من الضروري أن تعترف عملية الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) بالدين المناخي الذي تدين به دول الشمال العالمي لدول الجنوب العالمي. فمن وجهة نظر تاريخية، استفاد أكبر الملوثين من التصنيع بينما نقلوا بشكل غير متناسب عبء التداعيات المناخية إلى الدول النامية. فتمويل المناخ ليس منة، بل قضية عدالة، ومسؤولية أخلاقية وقانونية لسداد هذا الدين من خلال آليات التمويل العام.
وبدلاً من الوفاء بهذه المسؤولية، تواصل الدول الغنية الدفع نحو القروض بدلاً من المنح، مما يزيد من أعباء الديون على الدول التي تعاني بالفعل من التحديات المركبة لتداعيات الأزمات المناخية وعدم المساواة الاقتصادية واستغلال الموارد. وتطالب الحركة النسوية وقادة المجتمع المدني بأن يتم توفير تمويل المناخ كمنح عامة وبمبالغ تصل إلى تريليونات الدولارات اللازمة لمعالجة قضايا التكيف والخسائر والأضرار والتحولات العادلة في مجال الطاقة في دول الجنوب العالمي.
خطورة المقاربة الواحدة المطبقة على الجميع
إن قرار رئاسة مؤتمر الأطراف 29 بدمج مفاوضات الأهداف المناخية مع مناقشات الانتقال العادل يقوض التقدم، بسبب تجاهل الاحتياجات الخاصة بالدول النامية دون غيرها، ما ينذر بتعميق اللامساواة. فالنص الحالي لمسودة الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) غير طموح وتراجعي، حيث يعطي الأولوية لمصالح الملوثين التاريخيين على حساب المجتمعات المعرضة للهشاشة.
فشلت مسودة الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) في عدة مجالات حاسمة:
- التمويل غير الكافي: الالتزامات المالية المقترحة أقل بكثير من التقديرات التي تشير إلى حاجة الدول النامية إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا.
- آليات تمويلية قائمة على الديون: من خلال إعطاء الأولوية للقروض، يزيد الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) من العبء المالي على الدول المثقلة بالديون.
- أهداف ضعيفة: إن غياب التزامات واضحة للتكيف والخسائر والأضرار والتحولات العادلة يقوض من أهداف اتفاقية باريس.
- تجاهل العدالة بين الجنسين: لم يتمكن الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) من معالجة الهشاشة التي تعاني منها النساء والفئات المهمشة، مما يساهم في استمرار عدم المساواة بشكل هيكلي.
دعوات نسوية من أجل تغيير هيكلي
تدعو الحركة النسوية في مؤتمر الأطراف 29 إلى تحول جذري يعطي الأولوية لإحداث تغيير هيكلي عوض الاكتفاء بالحلول الجزئية. ويجب أن يركز الانتقال العادل على المساواة وحقوق الإنسان والالتزامات المالية الملموسة لتوسيع نطاق الطاقة المتجددة وحماية العمال وبناء مجتمعات قادرة على الصمود.
ولا يمكننا تجاهل التأثيرات الجندرية لأزمة المناخ، لأن النساء، خاصة في دول الجنوب العالمي، يتأثرن بشكل غير متناسب بالتغير المناخي، ومع ذلك غالباً ما يتم تهميش أصواتهن في القرارات السياسية. ويجب أن يتضمن الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) آليات تستجيب للمقاربة الجندرية من أجل التمكن من معالجة هذه الفوارق وتمكين النساء من إحداث التغيير المنشود.
خطر تحويل دول الجنوب العالمي إلى رهائن للوقود الأحفوري
إن نقص التمويل الكافي يسقط دولنا والمناطق النامية الأخرى في فخ الاعتماد على الوقود الأحفوري. فاستثمارات الوقود الأحفوري هي فخ تدفعنا إليه دول الشمال في هذا الوقت الحرج لسداد ديونها. إن فشل الهدف الكمي الجماعي الجديد (NCQG) في تقديم تمويل خالٍ من الديون يقوض الانتقال العادل في بلداننا. وهذا لا يزيد فقط من الخصاص في الطاقة وعدم المساواة، بل يعرقل أيضًا جهود الدول النامية لزيادة استخدام الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
المضي قدما: لا اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيء
وترتفع أصوات الدول النامية والمجموعات المدنية تعبيرا عن رفضها للصفقة السيئة، حيث ظل الاقتراح الحالي لـ NCQG غير طموح وغير عادل، ما يجعل الانسحاب خيارًا أفضل، اذ لا يمكن لدول الجنوب العالمي تحمل البقاء داخل إطار يعزز عدم المساواة ويفشل في معالجة المسؤوليات التاريخية ويقدم دعمًا غير كافٍ للمرونة المناخية.
مطالب موجهة لمؤتمر الأطراف 29 وما بعده
مطالب الحركة النسائية والمجتمع المدني:
- تقديم منح عوض القروض: يجب أن يتخذ تمويل المناخ أشكال منح عامة عوض القروض التي تزيد من أزمات الديون.
- وضع أهداف واضحة: يجب أن تشمل الأهداف الكمية الجديدة للمناخ (NCQG) أهدافًا مالية ملموسة وطموحة للتكيف والخسائر والأضرار والانتقال العادل.
- ترسيخ العدالة بين الجنسين: يجب أن تحرص الالتزامات على الاستجابة للاحتياجات الخاصة بالنساء والفئات المهمضة ووضع منظورهن في صلب الحلول المناخية.
- إرساء الانصاف والتعويضات: يتعين على الدول الغنية الوفاء بالتزاماتها تجاه ديون المناخ وضمان تمويل طويل الأمد يمكن التنبؤ به تماشيا مع مسؤوليتها التاريخية.
- استبعاد البنوك التنموية متعددة الأطراف: يجب أن يتجاوز تمويل المناخ البنوك التنموية متعددة الأطراف لتجنب الأمولة والخصخصة في حلول المناخ.
دعوة للتضامن
إن أزمة المناخ ليست قضية بيئية فحسب، بل هي قضية عدالة تتطلب تغييرًا جذريًا. ولهذه الغاية، اتحد النسويون وقادة المجتمع المدني في مؤتمر الأطراف 29 في دعوتهم لتحقيق الإنصاف والكرامة والتغيير الملموس. وإذا فشل مؤتمر الأطراف 29 في تحقيق النتائج المرجوة، ستستمر المعركة من أجل وضع أهداف كمية جديدة للمناخ (NCQG) عادلة ومنصفة، حتى لا تعاني الأجيال القادمة من كلفة التقاعس المشهود حاليا. إن تمويل المناخ ليس منة، بل هو قضية عدالة. لقد حان الوقت لكي تتحمل دول الشمال العالمي مسؤوليتها المالية.