خيانة في مؤتمر الأطراف 29: أين المرأة من معادلة العدالة؟
by Fiza Naz Qureshi كتابة فيزا ناز قريشي
سيذكر التاريخ أن مؤتمر الأطراف 29 في باكو عاصمة أذربيجان، من 11 إلى 22 نوفمبر 2024،بأنه كان طموحا على مستوى الخطاب و مخيبا للآمال من حيث المخرجات، خاصة من منظور العدالة النسوية والجندرية. لقد وُصف المؤتمر بأنه ‘مؤتمر للتمويل’ وتمحور حول الهدف الجماعي الكمي الجديد (NCQG) لتمويل المناخ، الذي يأتي في ظرف مفصلي بعد الفشل في بلوغ 100 مليار دولار الذي تم التعهد به في عام 2009. وبينما تم التأكيد على الحاجة إلى الرفع من التدفقات المالية لمواجهة أزمة المناخ، كشف المؤتمر بوضوح عن عدم المساواة في النظام المناخي العالمي، لا سيما بالنسبة للنساء والمجتمعات المهمشة في الجنوب العالمي.
الخيانة في التمويل: تأجيل العدالة
فعلى الرغم من دعوة المجتمع المدني لتوفير ما لا يقل عن 5 تريليونات دولار سنويًا، بما في ذلك تريليون دولار مخصص للدول النامية، فإن الهدف الجماعي الكمي الجديد (NCQG) المقترح البالغ 300 مليار دولار بحلول عام 2035 كان أقل بكثير من المطلوب، ما يشكل ‘خيانة في باكو’ ويرسخ نمطًا مستمرًا من الوعود الكاذبة، لأن هذا الوضع ليس مجرد عجز مالي، بل إنه إبادة مناخية للدول الهشة.
إن الطموح المالي المحدود يهمش العدالة الجندرية والاجتماعية ويتجاهل العبء الذي تتحمله النساء، خاصة في إفريقيا وآسيا، جراء الكوارث المناخية. ويعد هذا التمويل ضروريا لتحقيق المبادرات الشعبية التي تقودها النساء وضمان الولوج إلى تقنيات التكيف وتجاوز الحواجز النظامية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ.
عندما تلتقي المسؤولية التاريخية مع الحيف المناخي
إن مبدأ “الملوث يدفع”، الذي أعاد التأكيد عليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لا يزال غير محقق إلى حد كبير. فالملوثون التاريخيون في الشمال العالمي – المسؤولون عن الجزء الأكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة – يواصلون التملص من التزاماتهم المالية في سياق يواجه فيه الجنوب العالمي، الذي يساهم بأقل من 1% من الانبعاثات العالمية، أشد التأثيرات.
وتعاني دول مثل باكستان وموزمبيق وبنغلاديش من هذا الحيف بشكل أكبر، حيث ضربت باكستان فيضانات مدمرة عام 2022 شردت الملايين وتسببت في أضرار تجاوزت 30 مليار دولار. وتحملت النساء عبء الرعاية والأمن الغذائي وإعادة البناء غالبًا دون دعم مالي أو مؤسسلتي. وخلال فيضانات 2022، أُجبرت حوالي 75,000 امرأة حامل على الولادة في ملاجئ مؤقتة في غياب الرعاية الطبية. ووسط فوضى النزوح والهجرة، تم الإبلاغ عن العديد من حوادث الاعتداء والتحرش الجنسي، مما يبرز نقاط الضعف المتزايدة التي تواجهها النساء خلال الكارثة. كما تواجه الدول الأفريقية تأثيرات مناخية شديدة تهدد سبل العيش وتزيد من الفوارق الجندرية. تتطلب هذه الأزمات إعادة تصور إطار تمويل المناخ الذي يعطي الأولوية للعدالة والشمول.
عدالة الديون: كسر القيو
من وجهة نظر نسوية، لا يمكن تجاهل الديون المرهقة التي تخنق الدول النامية عند الحديث عن تمويل المناخ. فمثلا، تعيق ديون باكستان التي تتجاوز 125 مليار دولار قدرتها على الاستثمار في مقاومة تغير المناخ. وفي مؤتمر الأطراف29، تعالت الدعوات لتقديم المنح بدلاً من القروض التي تشكل عائقًا أمام التنمية العادلة من منظور جندري.
ولا يعد تخفيف الديون ضرورة اقتصادية فقط، بل هو قضية تتعلق بالنوع الاجتماعي كذلك. فالنساء في الدول المثقلة بالديون يتأثرن بشكل غير متناسب بإجراءات التقشف التي تقلص الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم. ويتطلب الانتقال العادل منحًا لتمكين الفئات التي تقع في الخطوط الأمامية، وخاصة النساء، مما يمكنهن من قيادة جهود التكيف والتخفيف.
الخسائر والأضرار: شريان حياة مؤجل
ظل صندوق الخسائر والأضرار، الذي تم الاحتفاء به كابرز انجازات مؤتمر الأطراف 27 يعاني من نقص التمويل وسوء التنفيذ خلال مؤتمر الأطراف 29. فبالنسبة للملايين من النساء في الدول المعرضة لتغير المناخ، فإن هذا الصندوق ليس مجرد دعم مالي بل شريان حياة. وظلت النساء في مقدمة جهود الصمود من خلال إعادة بناء المنازل بعد الفيضانات أو تأمين سبل العيش في المناطق التي تعاني من الجفاف. ومع ذلك، تم تغييب أصواتهن إلى حد كبير خلال المناقشات، مما يعكس استبعادًا أوسع للمقاربة الجندرية في المفاوضات الخاصة بالمناخ.
مستقبل الطاقة المتجددة: فرص أمام الجنوب العالمي
يقف الجنوب العالمي عند مفترق طرق. ففي الوقت الذي تطور فيه الشمال العالمي من خلال التصنيع المعتمد على الوقود الأحفوري، لدى الجنوب العالمي فرصة للقيام بقفزة نوعية في اتجاه الطاقة النظيفة. ويجب إعادة ضبط مشاريع مثل Mission 300 ومبادرات الطهي النظيف لتلبية الاحتياجات الحقيقية للنساء بدلاً من الاعتماد على الحلول الزائفة مثل الأنظمة المعتمدة على الغاز. وغالبًا ما تؤدي هذه الطرق المعتمدة على الغاز إلى تفاقم المشاكل الصحية للنساء، خاصة في الجنوب العالمي، حيث يتحملن مسؤولية غير متناسبة في توفير الطاقة للاستخدام المنزلي. ف
فبينما تهدف مبادرة Mission 300 إلى توفير الكهرباء لـ 300 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء في إفريقيا بحلول عام 2030 من خلال الشبكات المصغرة المتجددة وأنظمة الطاقة الشمسية، يجب أن تشمل هذه المبادرة مقاربة تستجيب للنوع الاجتماعي، كما تجاوز التركيز على توفير الوصول إلى الطاقة إلى ضمان أن هذا الوصول يمكّن النساء ويقلل من عبء الطاقة عليهن ويعالج المخاطر الصحية المرتبطة بذلك. علاوة على ذلك، يجب أن تعطي مشاريع الطهي النظيف الأولوية لمصادر الطاقة المستدامة التي تحترم صحة النساء وواقعهن الاجتماعي والاقتصادي، والابتعاد عن الحلول الضارة المعتمدة على الوقود الأحفوري التي تكرس الفوارق الصحية.
يدعو النهج النسوي إلى الاستثمارات في الطاقة المتجددة التي تعطي الأولوية لتمكين النساء. فمشاريع الطاقة الشمسية والرياح لا تقلل فقط من الانبعاثات، بل توفر أيضًا فرصًا لتوظيف النساء وتعليمهن وقيادتهن في المجتمع.
أسواق الكربون: وعود زائفة وتهديدات حقيقية
هيمنت أسواق الكربون على مناقشات مؤتمر الأطراف 29، حيث روجت لها البنوك التنموية متعددة الأطراف (MDBs) كحل شامل. ومع ذلك، غالبًا ما تستفيد اللوبيات التجارية من هذه الأسواق على حساب المجتمعات التي تقع على الخطوط الأمامية لأزمات المناخ. وقد سبق للنقاد أن حذرو من “رعاة الكربون” الذين يستغلون الأراضي والموارد، خاصة في أقل البلدان نمواً (LDCs)، حيث تواجه المزارعات والنساء والمجتمعات الأصلية التهجير تحت غطاء مشاريع تعويض الكربون.
ولكي تخدم هذه الآليات العدالة، يجب إصلاحها لإعطاء الأولوية للشفافية والإنصاف وإدماج أصوات القواعد الشعبية، فبدون هذه التغييرات، قد تؤدي أسواق الكربون إلى تعميق عدم المساواة الجندرية والفوارق الاجتماعية.
التضامن في الجنوب العالمي: نحو نهج نسوي إلى الأمام
في ظل النتائج المحبطة لمؤتمر الأطراف 29، يعطي التعاون المتنامي بين دول الجنوب العالمي بصيص أمل، حيث تدافع الدول الأفريقية والآسيوية، إلى جانب المجتمع المدني العالمي، بشكل متصاعد عن العدالة بشكل جماعي، مع التركيز على التحديات والحلول المشتركة. ويتجاوز تضامنهم المطالبة بتمويل عادل إلى المطالبة بالتعويض عن الخسائر والأضرار وتقديم منح بدلاً من القروض، حيث يقف تضامنهم بشكل قوي أمام هيمنة الشمال العالمي.
وتعزز المقاربة النسوية هذا التعاون بتسليطها الضوء على الحاجة إلى التركيز على أصوات وتجارب النساء في هذه التحالفات، حيث تقوم الشبكات التي تقودها النساء في مختلف أنحاء الجنوب العالمي بتعبئة فعلية لصالح العمل المناخي، كما أنها تدافع عن السياسات وحملات “الملوث يدفع” التي تهدف إلى إنهاء الظلم البيئي والاجتماعي على حد سواء.
خاتمة: العدالة في الصميم
كشف مؤتمر الأطراف 29 عن الفجوة الآخذة في الاتساع بين الوعود والعمل في الأجندة المناخية العالمية. فلكي تسود العدالة، يجب على العالم زيادة الالتزامات المالية وإعطاء الأولوية للمنح على حساب القروض وتفعيل آليات شاملة مثل صندوق الخسائر والأضرار.
فمن وجهة نظر نسوية، يجب أن نرى ما وراء الأرقام والتأمل في القصص الإنسانية في خضم أزمة المناخ. إن النساء في الجنوب العالمي لسن ضحايا سلبيات بل هن فاعلات في التغيير. لذا، يجب على العالم وضع قيادتهن وصمودهن في صلب الأجندة المناخية لخفض الانبعاثات وتحقيق العدالة، آنذاك يمكننا معالجة عدم المساواة في أزمة المناخ وبناء مستقبل مستدام وعادل.
فيزا قرشي، مناهضة للغاز حملة Big Shift Global