MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

سياسات التقشف تقتل الأطفال في مصر

تمثل الحادثة المأساوية في شركة “لينين جروب” للنسيج والمفروشات بالإسكندرية، حيث توفيت رضيعة على ذراع إحدى عاملات الشركة بعد حرمانها من الإجازة واحتجازها داخل المصنع، واقعة كاشفة عن الوجه العنيف للنتائج المباشرة لسياسات التقشف والضغوط الاقتصادية على العمال، وخصوصًا النساء العاملات، حيث تتحول سياسات التقشف إلى ممارسات قاتلة في الحياة اليومية، فتتحمل مصر ديونًا خارجية تجاوزت 170 مليار دولار في 2024، ما يفرض عليها الخضوع لاشتراطات صندوق النقد الدولي. تشمل هذه الشروط مزيدًا من انسحاب دور الدولة من خلال تخفيض الإنفاق العام، وتجميد الأجور، وتقليص دعم الخدمات الأساسية.

تأتي هذه الواقعة في سياق سلسلة من الإضرابات العمالية التي شهدتها مصر خلال العام الجاري، حيث تتمحور مطالب هذه الإضرابات حول الحد الأدنى للأجور، والإجازات المدفوعة، وصرف الرواتب في مواعيدها. وتظهر هذه السلسلة من الإضرابات أن تدهور أوضاع العمال والعاملات لا يقع نتيجة قصور إداري محدود، بل هو جزء من منظومة اقتصادية وسياسية أكبر تتبنى سياسات تقشفية تقلص الحقوق وتزيد من هشاشة الطبقة العاملة، وتعزز من سلطة الشركات الخاصة في استغلال العمال بأجور منخفضة وظروف عمل غير إنسانية، دون رقابة حقيقية من الدولة. وعلى الرغم من أن جوهر مطالب الإضرابات يرتبط بحقوق قانونية واضحة، فإن تدخل مؤسسات الدولة في هذا النطاق ينحصر في محاولتها لفض بعض هذه الإضرابات، حتى تلك التي تهدف فقط لضمان الحد الأدنى للأجور، مما يبرز التحيز البنيوي مع أرباب العمل ضد الحركة العمالية في مصر، ويعكس موازين القوى غير المتكافئة والتهميشية للطبقات الأكثر فقرًا وهشاشة.

وفي هذا السياق، تم تمرير قانون العمل الجديد، الذي لم يعالج بدوره هشاشة أوضاع العمال، ولا يوفر حماية كافية للنساء العاملات، ولا يكفل تطبيق الحد الأدنى للأجور بانتظام، وهو ما يعكس استمرار منطق السوق وانسحاب دور الدولة في ضمان الحقوق في مقابل الربحية. وفي المقابل، تتحمل النساء أعباءً إضافية في بيئة عمل معادية وغير منصفة، حيث يتقاطع محور النوع الاجتماعي مع الطبقة الاقتصادية والاجتماعية لتفاقم استبعادهن من أي شبكة حماية اجتماعية فعّالة، ويضاعف من مخاطر العنف الاقتصادي والاجتماعي عليهن، حيث لا يضمن القانون حماية ضد الانتهاكات اليومية التي يتعرّضن لها، مما يؤدي إلى تعريض حيوات العاملات وأطفالهن للخطر المباشر.

تكشف هذه التطورات المتلاحقة إلى الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في سياسات التقشف والإصلاحات التشريعية المزعومة، بما يشمل ضمان الالتزام بصرف الرواتب في مواعيدها مع ضمان تطبيق الحد الأدنى للأجور، واحترام الإجازات المدفوعة، وتوفير ظروف عمل آمنة، مع التأكيد على إشراك ممثلي العمال والعاملات في آليات الرقابة والتنفيذ والتأكيد على حقوقهم/ن في التنظيم والعمل النقابي. كما تشير إلى ضرورة مساءلة الدولة والشركات عن المسئولية المباشرة لهذه الانتهاكات الصارخة، وتفعيل الضمانات القانونية والدستورية التي تضمن حقوق العمال، وخصوصًا النساء والأمهات العاملات، في مواجهة منطق السوق القائم على استغلال هشاشة العمال مقابل الربحية.