MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

التفاوت الجندري في السياسة الاقتصادية: دور مؤسسات بريتون وودز في تهميش المرأة في الجنوب العالمي

غرايس كايمبوري،

 

في خضم الاحتفال بالذكرى السنوية  الثمانين لمؤسسات بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، من الضروري التدقيق ليس فقط في تأثيرها الاقتصادي العام،  بل يجب أيضا النظر إلى تأثيرها على التفاوت الجندري في الجنوب العالمي على وجه الخصوص. فمن المعلوم أن هذه المؤسسات أنشئت بهدف إعادة بناء واستقرار الاقتصاد العالمي عقب الحرب العالمية الثانية،إلا أن سياساتها كثيرا ما أدت إلى  ترسيخ نماذج الاقتصادية تهمش المرأة، ولا سيما في البلدان النامية.

السياق التاريخي والإطار السياسي

منذ إنشائها في عام 1944، لعبت مؤسسات بريتون وودز دورا محوريا في تشكيل السياسات الاقتصادية العالمية، حيث استهلت عملها بإعادة بناء الاقتصادات التي مزقتها الحرب وتحقيق استقرار العملات، قبل أن تحول تركيزها نحو تمويل التنمية وبرامج التكييف الهيكلي (SAPs) خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن العشرين. ونصت هذه البرامج، التي غالبا ما تنفذ في البلدان التي تواجه أزمات اقتصادية، على مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحرير الاقتصادات والحد من الاختلالات المالية.

غير أن برامج التكيف الهيكلي قد أدت في كثير من الأحيان إلى انخفاض الإنفاق العام على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، ما أثر بشكل غير متناسب على النساء أكثر من غيرهن. فالدعوة إلى خفض التوظيف في القطاع العام وخصخصة المؤسسات المملوكة للدولة، غالبا ما أدت  إلى خسائر كبيرة في الوظائف التي تشغلها النساء، اللائي كن يعملن في الغالب في القطاعات المذكورة.

الولوج إلى موارد التمويل 

 يشكل الولوج إلى الموارد المالية عنصرا أساسيا من عناصر التمكين الاقتصادي، لكن فشلت للأسف سياسات مؤسسات بريتون وودز في العديد من الحالات في تلبية الاحتياجات الخاصة بالمرأة في جنوب الكرة الأرضية، حيث قيدت شروط القروض وتدابير التقشف المالي قدرة الحكومات المحلية على تمويل البرامج التي تهدف إلى تعزيز المشاركة الاقتصادية للمرأة. وعلاوة على ذلك، فإن التركيز على مشاريع البنية التحتية الواسعة النطاق غالبا ما يتجاهل المشاريع المجتمعية الأصغر حجما التي يمكن أن تفيد المرأة بشكل مباشر من خلال تحسين وصولها إلى الأسواق والتسهيلات في الحصول على القروض.

ملكية الأراضي وحقوق الملكية  

تعتبر ملكية الأراضي وحقوق الملكية أمرا بالغ الأهمية للاستقرار الاقتصادي والتمكين، ومع ذلك تواجه النساء في في الجنوب العالمي حواجز بنيوية أمام ملكية الأراضي بسبب التقاليد المحلية والسياسات الوطنية المتأثرة بتوجيهات مؤسسات بريتون وودز. فكثيرا ما أعطت السياسات الاقتصادية التي تمليها هذه المؤسسات الأولوية للمؤسسات الزراعية والصناعية الكبرى على حساب صغار المزارعين وأغلبهم من النساء. ولا يقوض هذا النهج الاستقلال الاقتصادي للمرأة فحسب، بل يضعف أيضا من وضعها الاجتماعي والسياسي داخل مجتمعاتها المحلية.

الفرص الاقتصادية وسوق الشغل  

كما أسهمت سياسات سوق العمل التي تروج لها مؤسسات بريتون وودز في تعميق التفاوتات الجندرية. ففي حين أن تشجيع تحرير الأسواق كان يهدف إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية، فقد ذلك في كثير من الحالات إلى توسع القطاع غير المهيكل الذي تشتغل فيه النساء بشكل كبير. وغالبا ما تتميز هذه الوظائف بالأجور المنخفضة وظروف العمل السيئة والحد الأدنى من الحماية القانونية. وعلاوة على ذلك، أدى التركيز على التصنيع الموجه نحو التصدير إلى توجيه النساء إلى وظائف منخفضة المهارات وكثيفة العمالة دون الاهتمام بشكل كافي بحقوقهن أو تطورهن الوظيفي على المدى الطويل.

نحو نموذج اقتصادي أكثر شمولا 

ولمعالجة هذه التفاوتات، من الضروري أن تدمج مؤسسات بريتون وودز المقاربة الجندرية في سياساتها بطريقة فعالة عن طريق:

  • إجراء تقييمات الأثر الجندري: قبل تنفيذ السياسات، ينبغي القيام بشكل إلزامي بتقييم كيفية تأثير السياسات على النساء والرجال كل على حدة،
  •  دعم المشاريع التي تراعي المقاربة الجندرية، عن طريق إعطاء الأولوية للمبادرات التي تهدف بوضوح إلى الحد من الفوارق الجندرية، مثل تلك التي تعزز ولوج المرأة إلى القروض والتعليم وملكية الأراضي،
  • ضمان تمثيل المرأة من الجنوب العالمي في عمليات صنع القرار على جميع مستويات الحكامة في مؤسسات بريتون وودز،

خاتمة 

 يتضح من خلال التأمل في ثمانين عاما من سياسات مؤسسات بريتون وودز أن هناك تأخرا في إعادة التقييم النقدي لتأثيرها على الحقوق والفرص الاقتصادية للمرأة. فمن خلال اعتماد نهج أكثر نسوية وشمولية لصنع السياسات الاقتصادية، يمكن لمؤسسات بريتون وودز أن تلعب دورا تحويليا في ضمان أن تكون النساء في الجنوب العالمي ليسن مجرد متلقيات للسياسات الاقتصادية العالمية بشكل سلبي،  بل متحكمات بشكل نشط في مستقبلهن الاقتصادي.