MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، صفقة فاوستية أخرى مع القطاع الخاص

الدكتورة أميرة سواس، رئيسة قسم البحث والسياسات، معاهدة عدم انتشار الوقود الأحفوري

سبق لي الاشتغال على تقاطعات قضايا المناخ و”التنمية” لمدة عشرين عامًا، لكن هذه المرة الأولى التي أشارك فيها في فعالية تمويل التنمية. ومهما كان مجال العمل في قضايا المناخ – ومجالي هو التجارب الحية للنساء والفئات المهمشة – فلا مفر من التطرق لمسألة التمويل وقضية الديون. ولا مفر من الحقيقة التي تقول إن الظلم في النظام الاقتصادي الكلي يجعل من الصمود المناخي والتنمية المستدامة أمرًا مستحيلًا بالنسبة للعديد من الدول.

فأنا أعمل حاليًا على مسألة الانتقال العادل للطاقة، لأنه إن أردنا الحد من استفحال التغير المناخي الكارثي، فعلينا أن نضع حدًا لأكبر محرك له: الوقود الأحفوري. لكن معظم دول الجنوب العالمي مرتبطة بالوقود الأحفوري، سواء من خلال الاستهلاك أو من خلال الاعتماد على الإنتاج والتصدير. وهذه الدول تعاني أكثر من غيرها من الظلم المنهجي. فآثار تغير المناخ تؤدي إلى تفاقم أزمات ديونها، وتضغط على حيزها المالي بحيث لا تتمكن من الاستجابة. ولا داعي حتى للتفكير في تمويل عادل للطاقة المتجددة أو لتنويع الاقتصاد، لأن ذلك حكر في الغالب لشمال الكرة الأرضية. كما لا توجد خطة حقيقية لمعالجة هذا الوضع.

فقبل بضعة أسابيع فقط، اجتمع كل من منظمة أفروداد وتحالف ديون المجتمع المدني في لوساكا، زامبيا، لمناقشة تصاعد أزمة الديون في أفريقيا. ومن المتوقع بحلول نهاية عام 2024، أن يبلغ الدين العام والمضمون من القطاع العام في زامبيا 25 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 97.24٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ما يبرز التأثير الهدام والمباشر للتغير المناخ على الاقتصاد، وعلى الولوج إلى الطاقة، مما يؤدي إلى انقطاعات في الكهرباء تصل إلى 17 ساعة يوميًا. هذه الأزمات المتداخلة تُقوّض حقوق الإنسان في هذا البلد بشكل يؤثر على الجميع بما فيهم الفئات التي تستحوذ على السلطة والامتيازات. وفي هذا السياق، ما هو الهامش المتاح أمام زامبيا لتحقيق انتقال عادل في وقت لم تصغ أو تنفذ بعد نموذجها الخاص بالتنمية المستدامة؟

بالنسبة لغالبية الاقتصادات في جميع أنحاء الجنوب العالمي، إنه سباق نحو القاع. ومن يواجه أسوأ العواقب؟ إنهن النساء والفتيات، والأقليات، والفئات التي لم تتسبب في هذه المشاكل. ومن الواضح أكثر من أي وقت مضى أن معالجة الأزمات المتعددة تتطلب تغييرا في النظام، بدءا بالاقتصاد.

لذلك وجدت نفسي في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية لأن أهدافه تتمثل في معالجة الحواجز المالية والاقتصادية البنيوية. لكن ما أثار دهشتي هو أن الوثيقة الختامية للمؤتمر كانت قد أُنجزت وصيغت نهائيًا قبل أسبوعين من انعقاده. أعلم أن هناك أشهرًا من الجلسات التحضيرية المكثفة، لكنني أعترف بأن الأمر بدا غريبًا أن نجتمع بعد أن تم اتخاذ القرارات بالفعل. ومع ذلك، حضرت.

وقد تم وصف هذه العملية على أنها تهدف إلى تقديم “إطار تمويل عالمي متجدد للتنمية المستدامة”، لكن أثناء مراجعتي للوثيقة الختامية، شعرت بالحيرة. لم أجد أي إشارات إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري (أو إلى وقف تمويله)، رغم أن ذلك قد تم التأكيد عليه كأولوية في ميثاق 2024 من أجل المستقبل وفي نتائج قمة المناخ العالمية كوب 29.  كما لم أجد أي إشارات إلى آلية عالمية فعالة لمعالجة أزمة الديون، رغم تفاقمها المستمر. فكيف يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون إطار يعالج اثنين من أكبر التهديدات التي تواجهها؟ كما تم تجاهل النظام الأبوي وعلاقته الوثيقة بالنزعة الاستبدادية، والوقود الأحفوري، والعسكرة (المعروفة أيضًا باسم الذكورية النفطية، وهو مفهوم يجب أن يكون محوريًا في تحليلنا للواقع الراهن).

إن المؤسسات الدولية التي تحدد أجندة التمويل لا تُبدي اي اهتمام بالإصلاحات الملحة. فقد توصّل خبراء العدالة من مختلف أنحاء العالم إلى توافق على أن وجود آلية دائمة متعددة الأطراف لمعالجة الديون السيادية يجب أن يكون من النتائج الأساسية المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، كما أن هناك إجماع قوي سابق حول ضرورة ضمان تدفق التمويل العام إلى دول الجنوب العالمي من أجل تحقيق التنمية المستدامة والانتقال العادل. ومع ذلك، فإن النص النهائي يكرر الخطاب حول التمويل الخاص والمختلط بشكل مبتذل.

“ما نقوم به أكثر أهمية مما نقوله أو ما نقول إننا نؤمن به”، بيل هوكس

لقد غابت فكرة الإدماج إلى حد كبير خلال المؤتمر الذي انعقد في موجة حر مدفوعة بالتغير المناخي، حيث بلغت درجة الحرارة 40 درجة مئوية، بينما عرف المكان اكتظاظا كبيرا مع صعوبة الولوج بسبب مظاهر العسكرة على الطريق والفوضوية مع لافتات ومعلومات غير واضحة. في طريقي إلى الداخل، وجدت نفسي أساعد وفدا من شرق أفريقيا، كافح من أجل العثور على وسيلة نقل لمدة ساعة في درجات الحرارة الشديدة. في غضون ساعة واحدة من وجودي في المكان شعرت بالإرهاق والقلق واليأس و الرغبة في الخروج من هناك. وبينما تشير الوثيقة الختامية إلى اقتصاد الرعاية، فمن الواضح تماما أن مفهوم الرعاية كان بعيدا عن العقول التي نظمت المؤتمر. لكن النسويات اللواتي التقيت بهن وفرن جوا من الارتياح المؤقت وقمن بسد فجوة الرعاية كالعادة.

أحرص دائمًا على البحث عن الجوانب الإيجابية في معظم العمليات السياسية، لكن في هذه الحالة، الأمر بالغ الصعوبة. سمعت مرارًا من أشخاص منخرطين بعمق في هذه العملية منذ أوائل القرن الحالي، أن المسار والنتائج قد تراجعا بشكل ملحوظ. وأن دول الشمال والتكتلات التابعة لها قد فشلت مرة أخرى في تقديم حصتها العادلة من التمويل ودعم الإصلاح. بل إن بعضهم قدّم نصيبه العادل من أساليب الضغط والتنمّر. لقد نجحوا فعلا في عرقلة الطموح المتعلق بالإجراءات المنهجية الضرورية، سواء في ما يخص الديون أو الضرائب أو قواعد التمويل أو العدالة الجندرية.

“الذين يقولون باستحالة تحقيق أمر ما، غابا ما يقاطعهم من هم منكبون على تحقيقه” جايمس بالدوين

رغم كل شيء، استرجعت أفكاري الإيجابية في المساحات التي نشأت خارج الإجراءات الرسمية. المجتمع المدني آخذ في الاتحاد، رغم كل محاولات فرق تسد التي تسعى إلى قطع التمويل عليه، أو زرع التنافس بين مكوناته، أو دفعه خارج المساحات الرسمية. المركز الثقافي للعدالة الاقتصادية والمناخية، التحركات العالمية، المسيرة من أجل فلسطين، الموائد المستديرة النسوية، لقاءات العشاء الاستراتيجية، ومحادثات سيغنال، كانت كلها مساحات للقاء. إننا نلتئم معًا.

نعم، نشعر بخيبة أمل. لكننا أصبحنا أكثر اتحادًا، ونحن نبني حلولنا بأنفسنا. على سبيل المثال، معاهدة الوقود الأحفوري، التي أعمل ضمنها، تقودها مجموعة من 17 دولة، بدعم من المجتمع المدني. نحن لا ننتظر توافقًا عالميًا قد لا يأتي، بل نطوّر أفكارًا قادرة على معالجة التحديات القائمة. إننا نعمل حاليًا على آلية لتسوية الديون، تهدف إلى دعم الدول التي تسعى للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، مع معالجة أعباء ديونها وضمان حصولها على تمويل عادل لعملية الانتقال. إننا نملأ الفراغ الذي تملص منه المسؤولون، لكننا لن ننسى من تقع المسؤولية على عاتقه، ولن نخفف الضغط عنهم أيضًا.