المنظور النسوي للمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية والديون: لايزال الطريق طويلا
بولينا جيرشوفا، يوروداد
كان من الممكن أن يكون المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العقد لإصلاح هيكل الديون العالمي وإحلال نظام دين عادل من منظور جندري. لكن للأسف، كانت النتيجة أقل بكثير من التوقعات.
انعقد المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في ظل أزمة ديون مستمرة، حيث يعيش اليوم أكثر من 3.3 مليار شخص في دول تنفق على مدفوعات الفائدة أكثر مما تنفقه على التعليم والصحة.ولاتزال النساء والفتيات يتحمّلن العبء الأكبر لهذه الأزمة. فعندما تعجز الحكومات عن الاستثمار في الخدمات العامة، يقع عبء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر أو منخفضة الأجر، التي تُنفّذ داخل المجتمعات والمنازل، بشكل غير متناسب على كاهلهن. هيكل الديون الحالي يمنح الأولوية لمصالح الدائنين على حساب حياة الناس وحقوقهم، وخصوصًا حقوق النساء والفتيات. فعمليات إعادة هيكلة الديون، إلى جانب برامج صندوق النقد الدولي، تضع سداد الديون في المقام الأول، دون أي اعتبار لتأثير هذه المدفوعات على حقوق المرأة. كما أن سياسات الإقراض والاقتراض، إلى جانب غياب الشفافية في إدارة الديون، تتجاهل تمامًا آثار هذه الإدارة المتهورة على العدالة الجندرية، سواء في الدول الدائنة أو المقترضة.
وتمثل الاقتراح الذي قدّمته الدول المقترِضة والمجتمع المدني خلال المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إطلاق الحكومات لعملية دولية للتوصل إلى اتفاقية إطارية للأمم المتحدة بشأن الديون السيادية، لتشكل إطارا جديدا قائما على القواعد بهدف ضمان خدمة الديون لمصالح الشعوب، وبناء هيكل ديون عادل من المنظور الجندري.
27 يونيو، إشبيلية. المنتدى النسوي، الجلسة العامة رقم 2: بناء عالم نسوي، دروس مستقاة من مقاربات عابرة للأقاليم، متعددة الأجيال، ومتقاطعة الجوانب. تصوير: بولينا جيرشوفا.
تم الاتفاق على الوثيقة الختامية المعروفة باسم “التزام إشبيلية” قبل انطلاق المؤتمر الرسمي، مما أثار تساؤلات حول الطابع الرمزي للحدث في ظل غياب مفاوضات مباشرة خلال انعقاد المؤتمر. وقد تم تقويض الدعوة العاجلة لاعتماد اتفاقية إطارية للأمم المتحدة بشأن الديون السيادية من قبل الدول الدائنة، خاصة: الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، سويسرا، اليابان، كندا، نيوزيلندا، أستراليا، كوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية. وقد تم تخفيف لغة النص بشكل كبير، ليقتصر دور العملية الحكومية الدولية على “تقديم التوصيات”. كما بقي في النص وعد غامض بالتعاون مع الدائنين، مثل نادي باريس، إلى جانب إنشاء مجموعة عمل مشتركة بين الأمين العام للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تهدف إلى الترويج لمبادئ طوعية بشأن الاقتراض والإقراض السياديين.
“كان ذلك أقل بكثير من الطموح الذي عبر عنه المجتمع المدني والعديد من حكومات الجنوب العالمي”.
ومضات أمل بيت سطور “التزام إشبيلية”
رغم الإخفاقات الواضحة لالتزام إشبيلية في ما يتعلق بإصلاح هيكل الديون، فإن هذه الوثيقة الختامية تتضمن بعض الفرص الواعدة، أبرزها الدعم المعلن لإنشاء منصة للمقترضين تتولى أمانتها وكالة تابعة للأمم المتحدة، يُرجّح أن تكون الأونكتاد. وقد طُرح منذ فترة طويلة اقتراح إنشاء “نادي للمقترضين” لتعزيز التنسيق بين الدول المدينة وتبادل المعلومات والخبرات بشأن إعادة هيكلة الديون والسياسات ذات الصلة. وفي ظل هيمنة الدائنين على الهيكل المالي الدولي من خلال أطر مثل نادي باريس ومجموعة العشرين، فإن تعزيز التنسيق بين المقترضين من شأنه أن يقوّي صوت الدول المقترضة في نظام الديون العالمي، لا سيما إذا كان مدعوماً بالتزام دولي مثل التزام إشبيلية. ويتجلى التحدي القائم الآن في ضمان التمويل الكامل لهذه المبادرة وتفعيلها على أرض الواقع.
إن الاتفاق على الحد من الاقتراض والإقراض الفاسد، بما في ذلك من خلال استخدام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) “لاستكشاف خيارات لجعل مثل هذه العقود غير قابلة للتنفيذ”، هو أيضا خبر إيجابي صادرة عن إشبيلية. وأخيرا، يمكن أن يكون الاتفاق على توحيد قواعد بيانات الديون القائمة في سجل شامل للديون إيجابيا أيضا. على الرغم من أنه للأسف، بدلا من سجل ديون مستقل ومفتوح وملزم ، يحث التزام إشبيلية على توحيد قواعد بيانات الديون الحالية بقيادة البنك الدولي، مع الحرص على “احترام الخصوصية وحماية البيانات”.
في نهاية المطاف، يعاني الفصل الأخير المتعلق بالديون من اعتماد مفرط على المؤسسات المالية الدولية، وهي الجهات ذاتها التي تواصل فرض سياسات ضارة مثل الخصخصة، وتقليص الإنفاق على القطاع العام، وفرض أنظمة ضريبية تنازلية تزيد من تفاقم أوجه عدم المساواة بين الجنسين. كما أن الدعوات إلى تخفيف أعباء الديون قوبلت بالعرقلة من قبل الدول الدائنة، في وقت يواجه فيه الجنوب العالمي أسوأ أزمة ديون في تاريخه.
تقلص المساحة المتاحة للمجتمع المدني
من بين الأمور التي شكّلت صدمة للكثيرين في إشبيلية، الطابع القمعي والفوضوي للإجراءات المتخذة في موقع المؤتمر، والتي حدّت من المشاركة الكاملة للمجتمع المدني. فقد تم منع الوصول إلى صانعي السياسات الرئيسيين، وصودرت المواد التي تحمل شعارات سياسية، بما في ذلك الملصقات والقمصان والمراوح، مهما كانت تلك الشعارات معتدلة. واضطر المجتمع المدني إلى النضال من أجل حقه في التجمع والتظاهر.
بفضل جهود آلية تمويل التنمية لمنظمات المجتمع المدني (CSO FfD Mechanism)، تمكّنّا من تنظيم احتجاج داخل مقر المؤتمر، الأول من نوعه في تاريخ مؤتمرات تمويل التنمية. هذا الإنجاز شكّل لحظة فارقة في مسار مشاركة المجتمع المدني، رغم القيود الصارمة التي فُرضت على حرية التعبير والتنظيم.
احتجاج داخل مقر انعقاد المؤتمر الرابع لتمويل التنمية في يوليوز
قوة المجتمع المدني
كان أفضل ما خرج به مؤتمر تمويل التنمية الرابع، هو بناء التحالفات التي نسجها المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم، حيث شارك فيه نحو 1000 ممثل عن منظمات المجتمع المدني، مقارنة بـ6000 مشارك من القطاع الخاص. معًا، قدّمنا رؤيتنا البديلة لمستقبل أكثر عدلاً، وسنواصل نضالنا من أجل العدالة الاقتصادية العالمية، والمساواة الجندرية، والعدالة المناخية. صحيح أن النتائج لم تكن على قدر التطلعات، لكن الحركات الشعبية، والمجموعات النسوية، والائتلافات العالمية توحّدت للمطالبة بالإصلاحات الضرورية قبل وأثناء وبعد المؤتمر، من خلال المنتدى النسوي في 27 و28 يونيو، ومنتدى المجتمع المدني في 28 و29 يونيو، وكذلك عبر المسيرة القوية التي جابت شوارع إشبيلية في 29 يونيو.
احتجاج خلال المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية يوم 29 يونيو
ترددت الدعوات النسوية بشأن الديون في مختلف المساحات، لا سيما خلال فعاليات “القروض من أجل المناخ” والتي أُقيمت خارج الموقع الرسمي تحت عنوان “الإقليم ما بعد الاستعماري” (يمكنكم مشاهدة جميع التسجيلات هنا)، وكذلك في معرض الفن، حيث ندد كل من الحدثين بالنظام الاستعماري للديون، ورفضا التصعيد العسكري المتزايد، وطالبا بتعويضات مستحقة للجنوب العالمي. وقد سلطا الضوء على المعاناة غير المتكافئة التي تتحملها النساء والفتيات في ظل النظام الاقتصادي الدولي الحالي، القائم على التجريد في الجنوب العالمي والتراكم في الشمال العالمي. إن النضال سوية في إشبيلية، خارج الأطر الرسمية لمؤتمر تمويل التنمية، كان بمثابة نسمة هواء نقي لكثير منا. لقد كانت فرصة ضرورية للتواصل وتعزيز الروابط بين حركات النضال من أجل العدالة المناخية، والعدالة الاقتصادية، والنسوية.
في إشبيلية، وضع المجتمع المدني سابقة مهمة: لن نُهمَّش بعد اليوم. سنواصل النضال ضد الظلم، وسنستمر في رفع أصوات الشعوب. لقد كنا أكثر حضورًا ووضوحًا من أي وقت مضى، في مطالبنا بمساحات حقيقية وبالتحول الجذري. رسالتنا واضحة: المهمة لم تنتهِ بعد.