النسويات يواجهن الظلم التمويلي في مؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية
إعداد شيرين طلعت، حركة مينافيم وبمساعمة من كاتي توبين عن WEDO
أسدل الستار على المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FFD4)، الذي عُقد في إشبيلية في يونيو 2025، دون إحراز أي تقدم نحو نظام مالي عالمي أكثر عدالة وإنصافًا، حيث تجاهل البيان الختامي مطالب النسويات، وحكومات الجنوب العالمي، والمنظمات الشعبية، والمجتمع المدني. وكرس، وبدلاً من ذلك، البنية نفسها التي تغذي التفاوتات، وانهيار المناخ، والاعتماد على الديون.
وشاركت الحركات النسوية، بما فيها MENAFem وWEDO، في جميع مراحل العملية. وناقشنا بوضوح، كما قدمنا بدائل. لقد تم سماعنا، لكن لم يُصغَ إلينا.
تم تجاهل المقترحات النسوية
لقد تمحورت المطالب النسوية في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية على الحقائق المعيشية مدعومة بالأدلة. وتضمنت، بناء على التحليل والدعوة الجماعية للنسويات من الأغلبية العالمية ، المطالب التالية:
الإلغاء الكامل للديون غير المشروعة وغير المستدامة،
- رفض التقشف والتقويم الهيكلي،
- العدالة الضريبية، بما في ذلك الضرائب على الثروة والشركات،
- الاستثمار العام في الرعاية والصحة والحماية الاجتماعية،
- التمويل المناخي المباشر القائم على المنح،
- التعويضات عن المظالم التاريخية والبيئية،
- إطار عالمي ملزم بشأن الديون السيادية،
- الحكامة الديمقراطي للمؤسسات المالية.
إلا أنه لم يذكر أي من هذه المطالب في النص النهائي، الذي يعكس أولويات قديمة تم كشفها وعلى رأسها: الاعتماد المفرط على التمويل الخاص، والإصرار المستمر على شعارات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، واستعمال لغة مبهمة بشأن الاستدامة دون التزامات في هذا الصدد.
أزمة الديون قضية نسوية
تتنامى أعباء الديون في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
- بلغ الدين الخارجي لمصر 165 مليار دولار في عام 2024، أي أكثر من أربعة أضعاف مستواه قبل عشر سنوات.
- تنفق تونس حاليا على سداد الديون أكثر مما تنفقه على التعليم والرعاية الصحية.
- أما في لبنان، فقد فاقم الانهيار المالي سنوات من التقشف وإلغاء الضوابط، المرتبطة بتوجيهات صندوق النقد الدولي.
وهذه الدول مجرد مثال لما تعانيه أكثر من 50 دولة نامية تنفق اليوم على خدمة ديونها الخارجية أكثر مما تنفقه على الخدمات الاجتماعية. وبالنسبة للدول الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ، فإن الوضع يزداد سوءًا: ففي عام 2024، دفعت هذه الدول أربعة أضعاف ما كانت تدفعه في عام 2010 لسداد ديونها الخارجية.
الكلفة الباهضة تتحملها النساء
تؤثر التخفيضات في دعم الغذاء والوقود والبرامج الاجتماعية على النساء ذوات الدخل المنخفض أكثر من غيرهن، حيث تتزايد مسؤوليات الرعاية في الوقت الذي تتقلص فيه خدمات الدولة ويتوسع العمل غير الرسمي، ويزداد العنف في المناطق المتأثرة بالأزمات.
ومع ذلك، فشلت الوثيقة الختامية للمؤتمرالدولي الرابع لتمويل التنمية في الدعوة إلى إلغاء الديون. ولم تقدم أي خارطة طريق لتسوية منهجية للديون تحت إشراف هيئة محايدة مثل الأمم المتحدة. بل على العكس، عززت الآليات التي يقودها الدائنون، متجاهلة اختلال موازين القوى.
الغسيل الأخضر للمشاكل القديمة: مقايضة الديون بالمناخ
ففي إشبيلية، أطلق البنك الدولي وإسبانيا “مركزًا جديدًا لمبادلة الديون” بهدف توسيع نطاق مقايضة الديون بالمناخ.
ويتم الترويج لهذه المبادلات باعتبارها حلولًا مبتكرة، لكن الواقع على الأرض يقول شيئا آخر:
- هذه المقايضة تقلص حجم الدين بنسبة ضئيلة فقط،
- تنطوي على تكاليف معاملات مرتفعة،
- تُصمم وتُدار من قبل الدائنين، لا المدينين،
- غالبًا ما تُقيّد الدول في نماذج “النمو الأخضر” الاستخراجية.
كما يتضح أن هذه ليست عدالة مناخية، بل شكلا جديدا من أشكال المشروطية، مغلف بلغة المناخ.
إن التمويل الحقيقي للمناخ يجب أن يكون جديدًا، إضافيًا، قائمًا على المنح، ويسترشد بالأولويات المحلية، عوض استخدامه لإعادة تغليف الديون غير المستدامة أو إطالة أمدها.
لا يزال التقشف خيارا افتراضيا
رغم سنوات من الأدلة التي تثبت أن التقشف يعمّق التفاوتات، أعادت نتائج المؤتمر الدولي لتمويل التنمية الرابع التأكيد على لغة “ضبط أوضاع المالية العامة” و”الإدارة السليمة للاقتصاد الكلي”، وهي عبارات مشفّرة تعني خفض الإنفاق العام.
وأظهر تقرير أوكسفام لعام 2023 أن 85 بالمائة من قروض صندوق النقد الدولي بين عامي 2020 و2023 اشترطت تطبيق سياسات تقشفية. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتجلى ذلك في:
- تجميد أجور المعلمين والعاملين في القطاع الصحي،
- خصخصة الخدمات الأساسية،
- فرض ضرائب تنازلية تزيد من تكلفة المعيشة،
وقد قوضت هذه السياسات من المساواة الجندرية بشكل مباشر، ودفعت بالنساء والأشخاص المؤنثين إلى تحمل عبء أكبر من خلال العمل غير المدفوع الأجر.
وقد ذُكر اقتصاد الرعاية في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، لكن دون تخصيص أي تمويل له. ولم يُرصد أي دعم جديد لأنظمة رعاية الأطفال، أو رعاية المسنين، أو البنية التحتية الصحية.
لقد قالت النسويات ذلك مرارًا وتكرارًا: الرعاية ليست هامشًا، بل هي أساس أي اقتصاد.
تمويل المناخ: لا يزال غير كاف ولا يزال غير عادل
لم يتم الوفاء بهدف تمويل المناخ السنوي البالغ 100 مليار دولار بحلول الموعد النهائي في عام 2020، ولم يتم استبداله برقم يعكس فعليًا حجم الاحتياجات المناخية أو التزامات الدول الغنية.
ولا يزال معظم تمويل المناخ يُقدَّم على شكل قروض، عوض المنح، حيث تستجيب أقل من 2 بالمائة من القروض للمقاربة الجندرية بينما يتم توجيه أقل 10 بالمائة منه إلى المنظمات الشعبية.
لقد فشل المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في الالتزام بزيادة التمويل المناخي القائم على المنح. لم يكن هناك اعتراف بالمسؤولية التاريخية. ولم يتم التوصل إلى اتفاق لتفعيل تمويل الخسائر والأضرار خارج آليات القروض.
فبالنسبة للمجتمعات الواقعة في الخطوط الأمامية لانهيار المناخ — خاصة في المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي وانعدام الأمن الغذائي في شمال إفريقيا — فهذا ليس مجرد فجوة في السياسات. إنها مسألة وجود.
ما نطمح لتحقيقه بدلا من ذلك
إن حركتي MENAFEM، وWEDO، وغيرها من الحركات النسوية عبر الجنوب العالمي، لا تكتفي في الجلوس في موضع المتفرج. إننا نعمل على أرض الواقع وانطلاقا من اللقاء الذي عُقد في عاصمة المغرب، الرباط، في ماي من هذا العام، نعتزم:
- نعمل مع باقي الحركات من أجل الدفع نحو إطار عالمي لمعالجة الديون تحت مظلة الأمم المتحدة،
- نُعلي من شأن البدائل الاقتصادية النسوية القائمة على الرعاية، وإعادة التوزيع، والإصلاح،
- نبني المعرفة النسوية الإقليمية لتوثيق التأثيرات والحلول،
- نشارك في فضاءات العدالة الضريبية العالمية للدفع نحو أنظمة ضريبية تقدمية،
- نقود حملات من أجل تمويل مناخي يصل مباشرة إلى المجتمعات في الخطوط الأمامية، وخاصة النساء.
نرفض هيمنة الدول الدائنة على عملية اتخاذ القرار. ونرفض ما يسمى بـ”الحلول القائمة على السوق” التي تعمّق التفاوتات والاستخراج.
نحن نطالب بنظام تمويلي يخدم الناس والكوكب.
لن يتم اخراس النسويات
رغم أن النتائج كانت مخيبة للآمال خلال المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، كانت التحليلات النسوية، والمرافعة والتنظيم قوية. لقد أظهرنا أن السياسات الاقتصادية ليست محايدة جندريًا وأن خيارات السياسات المالية هي قضايا حياة أو موت بالنسبة للنساء والفئات المهمشة وأن القواعد العالمية يجب أن تتغير.
وسنواصل هذا العمل خلال قمة المناخ COP30، وفي مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة للضرائب، وفي الاجتماعات المقبلة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرها.
إن النسويات في الجنوب العالمي لا يطالبن بإصلاحات هامشية. نحن نطالب بالتحول الجذري نحو نظام اقتصادي جديد قائم على الرعاية، والعدالة، والتوازن البيئي، لا على الديون، والاستخراج، والتقشف.