MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

تأملات نسوية حول اجتماعات الربيع لعام 2025: تمويل مستقبل أفريقيا دون التضحية بالمساواة الجندرية والعدالة في مجال الطاقة

by Karabo Mokgonyana, Power Shift Africa

انعقدت الاجتماعات الربيعية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لعام 2025  في واشنطن العاصم في سياق تفاقم عدم المساواة على المستوى العالمي مع اشتداد حروب التعريفات الجمركية وإنكار التغير المناخي  وتنامي أعباء الديون  وتصاعد الأزمات البيئية، و اتساع التقاطبات في النقاشات السياسية حول قضايا التنوع والإنصاف والشمول (DEI). 

وتميزت الاجتماعات بتقديم استراتيجيات تمويل جديدة وإصلاحات طموحة، إلا أنه من وجهة نظر نسوية تفرض الأسئلة التالية نفسها: من المستفيد؟ ومن  تم تركه خلف الركب؟ ومن  الذي  يؤثر في صياغة الحكامة الاقتصادية العالمية؟ فبالنسبة للمدافعين عن  العدالة الاقتصادية النسوية  والداعين إلى تحولات عادلة، فإن هذه اللحظة بمثابة تذكير صارخ بضرورة الدفع نحو تحول جذري للحكامة المالية العالمية من أجل تحقيق تحول عادل في مجال الطاقة في القارة الافريقية بشكل يخدم الشعوب والكوكب معا، عوض استهداف الربح فقط.

رد الفعل العالمي العنيف ضد التنوع والانصاف والشمول وأثره على المساواة الجندرية

تعرضت العديد من المبادرات الرامية لتعزيز التنوع والانصاف والشمول لهجومات مكثفة في جميع أرجائ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سنت العديد من الولايات قوانين لحظر هذه المبادرات في الجامعات وداخل المؤسسات الحكومية وحتى في الشركات الخاصة. ومن شأن هذه الموجة التراجعية، التي تغذيها الإيديولوجيات القومية المحافظة، أن تقوض التقدم الذي تم تحقيقه بصعوبة خلال العقود السابقة في مجالات المساواة الجندرية والادماج الإثني.

وبالنظر إلى تواجد مقر البنك الدولي في واشنطن العاصمة والتأثير المهيمن للسياسة الأمريكية على المؤسسات المالية الدولية، فمن الأهمية بمكان تقييم الآثار غير المباشرة المحتملة. فبالرغم من أن البنك الدولي يشتغل بناء على تفويضات كانت محل نقاش دولي، فإنالضغط السياسي الأميركي– خاصة من طرف المانحين المؤثرين والكونغرس – يمكن أن يحدد الأولويات ومخصصات التمويل. لذا يتعين على الناشطالت النسويات التحلي باليقظة على ضوء التخفيضات المرتقبة في الميزانية المخصصة لدعم السياسات الجندرية والإدماج، علاوة على المخاطر الناجمة عن التدخل السياسي. 

ومع ذلك، فإن آليات البنك الدولي الحالية، بما في ذلك استراتيجيته للمساواة الجندرية 2016-2023 (التي تم تحديثها مؤخرا للفترة 2024-2030) وإطاره البيئي والاجتماعي ، تفرض تعميم مراعاة المقاربة الجندرية في جميع العمليات. فعلى سبيل المثال،  يتطلب نظام العلامة الجندرية أن تدمج المشاريع بشكل هادف الأبعاد الجندرية من أجل الحصول على الموافقة الكاملة. وبفضل هذه الضمانات المؤسسية، قد ينحصر تأثير ردة الفعل التراجعية، ولكن من الأهمية بمكان أن يواصل المجتمع المدني الضغط على البنك للدفاع عن التزاماته بخصوص المساواة الجندرية وتعزيزها، لا سيما في جنوب الكرة الأرضية.

تمويل المناخ: سراب التحول العادل في مجال الطاقة

لقد أصبح التحول العادل في مجال الطاقة كلمة طنانة، ومع ذلك فإن التمويل لجعله حقيقة على أرض الواقع في أفريقيا لا يزال أمرا بعيد المنال، حيث تساهم إفريقيا بأقل من 4٪ في الانبعاثات العالمية، لكنها تتحمل العبء الأكبر من الآثار المناخية، من الأعاصير المدمرة في موزمبيق، إلى الجفاف في القرن الأفريقي  وفيضانات نيجيريا. وتمتلك القارة أيضا إمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، حيث تعد موطنا لـ 60٪ من أفضل موارد الطاقة الشمسية في العالم، ومع ذلك تتلقى 2٪ فقط من الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية (IEA).

ومن المتوقع أن تسلط الاجتماعات الربيعية الضوء على التعهدات الجديدة بتمويل المناخ، بما في ذلك ضخ رؤوس الأموال في الصناديق الاستئمانية للمناخ التابعة للبنك الدولي. لكن التاريخ يدعونا إلى  أن نكون مشككين. ففي قمة المناخ العالمية كوب26، تعهد شمال الكرة الأرضية بتقديم 100 مليار دولار سنويا لتمويل المناخ بحلول عام 2020. لكن في الواقع، لم يتم تحقيق هذا الهدف بعد، على الرغم من اتخاذ قرار ثان بتخصيص 300 مليار دولار في كوب 29. والأسوأ من ذلك أن أكثر من 70٪ من تمويل المناخ الذي تم صرفه لصالح جنوب الكرة الأرضية اتخذ شكل قروض عوض منح، مما أدى إلى تفاقم عبء الديون.

وتتطلب المقاربة النسوية أن يكون تمويل المناخ غير مولد للديون، مدبر محليا ومستجيب بشكل صريح للنوع الاجتماعي. ففي السنغال، تقود النساء في المجتمعات الريفية مشاريع تعاونية للطاقة الشمسية تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري مع خلق فرص العمل وتحسين الولوج إلى الطاقة. ومع ذلك، فإن مثل هذه المبادرات تعاني باستمرار من نقص التمويل وتستبعد من برامج الاستثمار واسعة النطاق التي يقودها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

عدم المساواة الجندرية: لا تزال نقطة مظلمة في السياسة الاقتصادية

على الرغم من الالتزامات بالمساواة الجندرة على مستوى الخطاب، يواصل كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التعامل مع النوع الاجتماعي كآخر نقاط في نماذجهما الاقتصادية، حيث  تعرضت استراتيجية النوع الاجتماعي لصندوق النقد الدولي، التي تم إطلاقها في عام 2022، لانتقادات واسعة النطاق لمعاملتها النساء كموارد اقتصادية غير مستغلة بدلا من كونهن أصحاب حقوق. ويعكس هذا التوجه نظرة للمساواة الجندرية من وجهة نظر الكفاءة الاقتصادية عوض اعتبارها قضية عدالة. 

وتواجه النساء في أفريقيا في الواقع  حواجز هيكلية عميقة، حيث تعمل 62٪ من النساء الأفريقيات في الاقتصاد غير المهيكل، دون حماية اجتماعية أو حقوق. وتؤدي النساء أعمالالرعاية غير مدفوع الأجر بثلاثة إلى خمسة أضعاف مقارنة بالرجال. وخلال جائحة كوفيد 19، تفاقم هذا العبء بشكل كبير، مما دفع بالعديد من النساء إلى الخروج من سوق الشغل بشكل تام. وعندما يتعذر الوصول إلى الطاقة، كما هو الحال بالنسبة ل 600 مليون شخص في إفريقيا، فإن النساء هن اللواتي يمشين لمسافات طويلة بحثا عن الحطب، ويطبخن على اللهب المكشوف ويعانين من العواقب الصحية.

لذا يتعين على أي انتقال طاقي نسوي معالجة هذه التفاوتات. ففي جنوب إفريقيا ، تقوم التعاونيات التي تقودها النساء بتركيب أنظمة شمسية خارج الشبكة الكهربائية في البلدات والمناطق القروية، مما يحسن سبل العيش مع مقاومة هيمنة شركات الاقتصاد الأخضر التي يسيطر عليها الذكور. ومع ذلك، نادرا ما يتم توسيع نطاق هذه النماذج أو تحديد أولوياتها في خطوط تمويل التنمية.

الثنائية الزائفة للنمو مقابل الإنصاف

تواصل مؤسسات بريتون وودز الترويج لرؤية  التنمية التي تركز على الناتج المحلي الإجمالي، بالرغم من فشل هذا النموذج في تفسير التدهور البيئي وإعادة الانتاج الاجتماعي وتدهور الرفاه المجتمعي. ولطالما دافع الاقتصاديات النسويات  عن وضع مؤشرات بديلة، مثل مؤشر اقتصاد الرعاية واستطلاعات استخدام الوقت، ومقاييس الثروة الاجتماعية، لتوجيه السياسة. وذه ليست أفكارا مجردة، بل تعتبر أدوات أساسية لتصميم اقتصادات عادلة تعكس الواقع المعيشي للنساء والفتيات الأفريقيات.

وعلى سبيل المثال، في روندا كشفت بيانات استخدام الوقت أن النساء يقضين ما معدله 4.5 ساعة يوميا في الرعاية غير مدفوعة الأجر، مقارنة بـ 1.5 ساعة فقط  للرجال. وساعدت هذه البيانات  في انجاز استثمارات حكومية لبناء مراكز رعاية الأطفال المجتمعية والبنية التحتية للمياه، مما قلل من عبء العمل غير مدفوع الأجر الذي تقوم به المرأة ومكن من زيادة مشاركة القوى العاملة. ولكن مثل هذه التحولات في السياسات نادرة، وغالبا ما يتم تجاهلها في أطر الاقتصاد الكلي التي شكلها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

فرص جديدة: استراتيجية البنك الدولي للطاقة الناشئة

وقد أعلن البنك الدولي اشتغاله على وضع استراتيجية جديدة للطاقة، من المتوقع أن يتم الانتهاء منها في عام 2026. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى مواءمة استثمارات البنك في مجال الطاقة مع أهداف اتفاقية باريس مع ضمان حصول الجميع على الطاقة .

وهذا يمثل فرصة حاسمة للمشاركة النسوية، مادامت تنمية الطاقة ليست محايدة جندريا:

  • في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا تزال أكثر من 70٪ من النساء يعتمدن على الكتلة الحيوية التقليدية في الطهي، مما يعرضهن للمخاطر الصحية وفقر الوقت.
  • وفقا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فإن سد الفجوة بين الجنسين في التوظيف في مجال الطاقة المتجددة يمكن أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 1.2٪ في بعض البلدان الأفريقية.

يجب على النسويات أن تطالبن بما يلي بخصوص استراتيجية الطاقة الجديدة:

  • إعطاء الأولوية لحلول الطاقة المتجددة اللامركزية التي تمكن المرأة القروية.
  • دمج الشركات التي تقودها النساء في سلسلة قيمة الطاقة النظيفة.
  • ضم الأهداف الجندرية في تمويل الطاقة وتصميم المشاريع.

هناك فرصة حقيقية للتحول من النماذج الذكورية المركزية لتطوير البنية التحتية إلى  أنظمة الطاقة التي تركز على المجتمع المحلي والتحويلية من المنظور الجندري.

نحو بنية مالية عالمية نسوية

كيف سيبدو البديل النسوي؟ أولا، يتعين علينا  تفكيك أسطورة الحياد في التمويل العالمي. فالسياسة الاقتصادية موقع للنضال. ومن شأن الهيكل المالي العالمي النسوي تحقيق ما يلي:

  • ضمان قوة تصويت عادلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي،
  • إلغاء الديون السيادية غير المشروعة وغير المستدامة، 
  • إعطاء الأولوية للمنح على القروض في تمويل التنمية،
  • إعادة توجيه الدعم من الوقود الأحفوري نحو الطاقة المتجددة التي يقودها المجتمع،
  • اشتراط إجراء تقييمات للأثر الجندري لجميع برامج الاقتصاد الكلي،
  • التعرف على أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر وتقليلها وإعادة توزيعها، 
  • وضع الأصوات النسوية الأفريقية في صلب صياغة السياسات وتنفيذها.

كما يجب  أن تخض هذه المؤسسات للمسائلة، ليس فقط من طرف المساهمين، ولكن أيضا أمام الأشخاص الذين تؤثر على حياتهم. وهذا يتطلب نهجا تعويضيا يعترف بالظلم التاريخي ويلتزم بالعدالة في إعادة التوزيع.

الخلاصة: المستقبل النسوي ممكن، إذا ناضلنا من أجله

مع انطلاق الاجتماعات الربيعية خلف الأبواب المغلقة، دعونا نتذكر أن الأفكار الأكثر قدرة على تحقيق تحول بنيوي غالبا ما تأتي من الهامش، حيث النساء الأوغندات تقاومن خطوط أنابيب النفط، والنسويات الناميبيات يقفن في وجه استخراج الموارد والتعاونيات الشعبية تبني مستقبلا متجددا والنساء الأفريقيات يؤسسن لاقتصادات عادلة نحن فغي أمس الحاجة إليها.

لقد أمضى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ثمانية عقود في النكث بالوعود، وقد حان الوقت لكسر حاجز الصمت، والقطع مع الوضع القائم واستعادة صنع السياسات الاقتصادية كمشروع نسوي يقطع مع استعمار ويحمي البيئة. نحن لا نطالب بإدراجنا في نموذجهم، بل نطالب بنموذج جديد تماما تخدم فيه الاقتصادات الحياة عوض رأس المال. فليكن هذا هو العام الذي ستخرج فيه الأفكار النسوية من هامش الناقشات الاقتصادية، لتعيد تشكيلها بالكامل.

 

كارابو موكغونيانا، ناشطة في مجال الطاقة المتجددة في منظمة “باور شيفت أفريكا”