سوزان ندا،
لا شك أن الحوار مهم من حيث المبدأ، وبشكل مطلق. ولا شك أن كارثتين طبيعيتين تحدثان بالمغرب العربي قد حدثتا في توقيت لافت لكل مشارك بالاجتماعات/ بل إن إحداهما فرضت نفسها على المدينة المستضيفة للاجتماعات تحديداً، مما شكل بعض أفق وسياق الحوار والتواصل بين المجتمعين بمراكش هذا العام خاصة، لتضيف الطبيعة إلى ما أدت إليه الحروب والانقلابات من عوامل المعاناة والتضخم وانخفاض مستوى المعيشة، وكأن الطبيعة أرادت تنبيه المجتمعين للمجال البشري الأوْلَى بالرعاية، وكأنها توفر لهم عدسة مكبرة ليدققوا النظر ويحسنوا رؤية المتضررين الحقيقيين، وينتبهوا لمن ينبغي أن يكونوا المستفيدين الحقيقيين. على الأقل هذا ما حاولت وآخرين أن ننتبه وننبه إليه، وحاولنا أن نقرأ أحداث الطبيعة.
الحادثة الثانية ليست مجرد طبيعة، وهذا في ضوء البيانات العالمية المتاحة. لقد أدت سيول ليبيا إلى محو ما هو أكثر من نصف مدينة بأسرها مصطحبة معها عشرات الآلاف من الضحايا ما بين قتلى ومفقودين، وهي سيول لم تعتدها المنطقة بحيث لا يمكن تجاهل نسبتها إلى التغيرات المناخية الواضحة والمهددة. هنا أيضاً نحاول أن ننتبه وننبه إلى الدور المنوط بأي مؤسسة تمويل للإسهام في دعم ما يقلل من التهديدات المناخية، وفي كبح جماح التدمير البيئي المصاحب لاستخدامات الوقود الأحفوري. ومرة أخرى لا نغفل عن أن كلتا الرسالتين اللتين أرسلتهما الطبيعة يتم إرسالهما إلى شمال أفريقيا -التي تعد بما لا تعد به منطقة أخرى من إمكانات الطاقة البديلة، بينما الاستثمار فيها في هذا الشأن حتى الآن لا يوصف إلا بأنه أقل من بائس.
الحادثان ينبهان، قبل الحوار، ولكن فقط لمن يريد أن ينتبه. أما أصحاب المصلحة في منع الانتباه؛ فلهذا سياقات أخرى. وأما مؤسسات التمويل الدولية؛ فأين مصلحتها في عدم توجيه الانتباه نحو ما تناشدنا الطبيعة بصدده؟
كذلك انعقد الأمل أن يؤدي الحوار والتواصل إلى أن تعيد مؤسسات التمويل النظر في السياسات التقشفية التي يتم فرضها على الدول المستدينة، أو أن يتم تعظيم نسب القروض طويلة المدى، على أمل أن يؤدي هذا إلى تقليل الثمن الباهظ المتمثل في إفقار العديد من شعوب الدول المدينة بما في ذلك سحب أغطية الحماية المدنية عن المواطنين وفي القلب منهم النساء والأطفال وكبار السن. ولطالما نادت منظمات المجتمع المدني وحاولت توضيح كيف أن شروط التقشف على الحكومات تدفع ثمنها الشعوب، مما لا يؤدي إلا لمزيد من الفقر والإفقار، ومن ثم للغضب واحتمالات الاضطرابات ونقص الاستقرار، باختصار يؤدي لغياب البيئة الآمنة للاستثمار أو التنمية المعلنين كأهداف رئيسة. وقد تكرر الإلحاج على هذه الرؤية في اجتماعات هذا العام أيضاً.
إلا أن مثالاً واحداً قد يكفي لتبرير ما سأصف به هذا الحوار(ات) في نهاية كلمتي هذه. ففي لقاء مع مديرة صندوق النقد الدولي، وفي ردها على أكثر من إشارة من أكثر من منظمة مجتمع مدني لعدم جدوى السياسات والاشتراطات التي تفرض من قبل مؤسسات التمويل الدولية، ولكون هذه السياسات تتناقض مع ما يتم ادعاؤه من تنمية مستدامة، بل تؤدي لفقر مستدام؛ أجابت المديرة الموقرة، بالصراحة النهائية القائلة بأن هذه الدول تضطر إلى الاستدانة، وبالتالي عليها أن تدفع الثمن، وهو الرد الذي تعفيه صراحته من أي ادعاءات مسبَّقة عن التنمية أو الاستدامة. إنه رد مدير بنك لا يرى إلا أنه مدير بنك. ليس هنا إلا الخلل الواضح في مفهوم من يدعون معاونة الشعوب على الاستقرار والتنمية.
الأمل كان أن يؤدي المجتمع المدني دوره في توصيل أصوات “الناس” ليكون لها وزنها بجانب أصوات التجاريين، إلا أننا لم نلمح أي بادرة تشير لاحتمالات لإشراك منظمات المجتمع المدني في أي صياغة مستقبلية لأي من مناحي أو أنشطة التمويل والاقتراض بناء على هذه الاجتماعات. باختصار أخشى أن ينطبق على هذه الاجتماعات تعبير “حوار الصم”، لأننا لم نصل لما يقول إن الأصوات التي سمح لها بالكلام قد يسمح لها بما هو أكثر من الكلام.