MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

سياسات التكيف الهيكلي لمؤسسات بريتون وودز تضاعف أعباء المرأة في الجنوب العالمي

أندريا ماغنون،

ناشطة اجتماعية وباحثة بيولوجية ومحررة ويب حول قضايا مشاركة الشباب وتطويرهم المهني

 

في عام 2024، ستحتفل مؤسسات بريتون وودز، والتي تشمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالذكرى الـ 80 لتأسيسها. وظهرت هذه المؤسسات في أعقاب الحرب العالمية الثانية بهدف تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي وتعزيز التنمية الاقتصادية. ومع ذلك، فإن برامج التكيف الهيكلي وتدابير التقشف التي فرضتها هذه المؤسسات في كثير من الأحيان على بلدان الجنوب العالمي كانت لها نتائج ذات آثار سلبية كبيرة، لا سيما على النساء. ويتطرق هذا المقال إلى عواقب برامج التكيف الهيكلي وتدابير التقشف على رفاه المرأة بشكل خاص وشبكات الحماية الاجتماعي، ويؤكد على الحاجة الملحة إلى إصلاحات شاملة ومنصفة.

وتتكون برامج التكيف الهيكلي (SAPs) من سياسات اقتصادية يفرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البلدان التي تواجه أزمات مالية. وتتمثل الأهداف الرئيسية لهذه السياسات في استعادة الاستقرار الاقتصادي وتشجيع النمو الاقتصادي وخفض الديون الوطنية. ومع ذلك، فإن الأساليب المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف غالبا ما تنطوي على تدابير صارمة مثل خفض الإنفاق العام وتحرير الأسواق وخصخصة الشركات المملوكة للدولة (كاغاتي ، 1998). فبالرغم من أن هذه السياسات مصممة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، إلا أنها كثيرا ما تتسبب في نتائج اجتماعية وخيمة، لا سيما بالنسبة لأكثر السكان هشاشة.

خفض الإنفاق العام

يشكل تخفيض الإنفاق العام أحد أهم مكونات برامج التكيف الهيكلي، حيث يطلب بموجبه من الحكومات  تقليص النفقات في مختلف القطاعات للحد من عجز الميزانية. ويستهدف هذا  التقليص عادة الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية (كاغاتاي، 1998). ولسوء الحظ، غالبا ما تقوض تدابير التقشف هذه جودة الخدمات الأساسية وإمكانية الولوج إليها، مما يؤثر بشكل غير متناسب على النساء، اللواتي هن في الغالب من يستفيد من من هذه الخدمات.

تحرير الأسواق

وتنطوي برامج التكيف الهيكلي أيضا على تحرير الأسواق لتعزيز المنافسة والكفاءة. وهذا يعني عادة إزالة الحواجز التجارية، وتحرير الصناعات، وتشجيع الاستثمار الأجنبي(كبير، 2003). وتهدف هذه التغييرات إلى تعزيز النمو الاقتصادي، إلا أنها يمكن أن تؤدي أيضا إلى فقدان الوظائف وعدم الاستقرار الاقتصادي، حيث تواجه النساء في كثير من الأحيان أقسى العواقب.

خصخصة الشركات المملوكة للدولة

وتعد الخصخصة من  الخصائص المشتركة الأخرى بين مختلف برامج التكيف الهيكلي، حيث يتم تشجيع الحكومات على بيع المؤسسات المملوكة للدولة لصالح المستثمرين من القطاع الخاص كوسيلة لزيادة الكفاءة وتخفيف أعباء القطاع العام (إلسون، 2002). ومع ذلك، غالبا ما يؤدي هذا البيع إلى فقدان الوظائف وانخفاض فرص حصول الفقراء على الخدمات الأساسية، خاصة النساء اللواتي يعتمدن على هذه الخدمات.

آثار التكييف الهيكلي على تعليم النساء

تتمثل أحد الآثار المباشرة لبرامج التكيف الهيكلي في انخفاض الإنفاق العام على التعليم، الذي يعتبر عاملا حاسما في الحد من أوجه عدم المساواة الجندرية. لكن برامج التكيف الهيكلي كثيرا ما أدت إلى ارتفاع الرسوم المدرسية، وانخفاض التمويل لصالح المدارس، وانخفاض فرص الحصول على الموارد التعليمية (كبير، 2003)، الأمر الذي ترتب عنه تداعيات وخيمة على الفتيات، اللائي غالبا ما يجدن أنفسهن في ظروف غير مواتية في العديد من المجتمعات.

التسجيل في النظام التعليمي والهدر المدرسي

لقد أدت برامج التكييف الهيكلي، في العديد من البلدان، إلى زيادة الرسوم المدرسية وغيرها من التكاليف المتصلة بالتعليم. فبالنسبة للعائلات التي تعاني من انخفاض الدخل بسبب التدابير التقشفية، يمكن أن تصبح هذه التكاليف باهظة للغاية. ونتيجة لذلك، قد تختار الأسر سحب بناتها من المدرسة للمساعدة في الأعمال المنزلية أو العمل لإعالة الأسرة (كونادو – أغيمانغ، 2000). وهذا لا يحد من الفرص التعليمية المتاحة للفتيات فحسب، بل يعيد إنتاج الفقر وعدم المساواة.

ففي غانا، على سبيل المثال، أدت برامج التكيف الهيكلي إلى تقليص كبير في الإنفاق العام على التعليم، مما كان له أثر سلبي مباشر على الفتيات والشابات. وانخفضت معدلات التحاق الفتيات بالمدارس،حيث  وواجه الكثير منهن حواجز متزايدة أمام إكمال تعليمهن (كونادو- أغيمانغ، 2000). يوضح هذا الوضع كيف يمكن لتدابير التقشف أن تقوض التقدم المحرز نحو المساواة الجندرية في التعليم.

أثر التدابير التقشفية على الخدمات الصحية

تنطوي لتدابير التقشفية كذلك على ضرر كبير للخدمات الصحية، التي تعتبر أساسية لضمان صحة المرأة ورفاهها. فمن خلال خفض الإنفاق العام على الرعاية الصحية، تؤدي برامج التكيف الهيكلي إلى تقويض الولوج إلى الخدمات الصحية، وزيادة التكاليف بالنسبة للمرضى، وتدهور نوعية الرعاية (إلسون، 2002). وتتأثر النساء كثر من عيرهن لأنهن في الغالب المستفيدات الرئيسيات من الخدمات الصحية، ولا سيما تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية وصحة الأم.

الرفع من معدلات وفيات الأمهات

يمكن أن تؤدي تدابير التقشف إلى انخفاض جودة الخدمات الصحية وتوافرها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تقليص تمويل خدمات صحة الأم إلى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات وانخفاض فرص الحصول على الرعاية قبل الولادة وبعدها. وتتعرض النساء في المناطق القروية أكثر من غيرهن لهذه الآثار الوخيمة، لأنهن كثيرا ما يواجهن حواجز إضافية تحول دون حصولهن على الخدمات الصحية (لوستيغ، 2001).

ففي المكسيك ، أدت التدابير التقشفية في ثمانينيات و تسعينيات القرن العشرين إلى خصخصة الخدمات العامة، بما في ذلك توفير المياه والكهرباء. وتعاني النساء، ولا سيما في المناطق القروية، من زيادة التكاليف وتضاؤل فرص الحصول على هذه الخدمات الأساسية (لوستيغ، 2001). ولم يؤد ذلك إلى سوء الرعاية الصحية لصالح المرأة فحسب، بل أدى أيضا إلى تفاقم أوجه عدم المساواة الجندرية.

كما يمكن للتدابير التقشفية أن تحد من إمكانية الحصول على خدمات الصحة الإنجابية، التي تعتبر ضرورية لصحة المرأة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي انخفاض التمويل المخصص لتنظيم الأسرة وخدمات الصحة الجنسية إلى زيادة معدلات الحمل غير المقصود والإجهاض غير الآمن وارتفاع معدلات وفيات الأمهات. ووفقا للناشطة التوغولية ماري سينثيا أحمدا، تساهم هذه الحواجز في وصم النساء وفي الإجهاض غير الآمن وزيادة وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة والرضع.

أثر برامج التكييف الهيكلي على حقوق الملكية والمشاركة الاقتصادية

وكثيرا ما تشجع برامج التكيف الهيكلي على خصخصة الأراضي والموارد الطبيعية، مما قد يؤثر سلبا على النساء اللواتي  يعتمدن على هذه الموارد في كسب رزقهن. وبالإضافة إلى ذلك، يميل التحرير الاقتصادي إلى تفضيل القطاعات التي يهيمن عليها الذكور، مما يؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة الجندرية في سوق العمل (لاستريا-كورنهايل، 1997).

فقدان الأراضي الزراعية

ففي أفريقيا جنوب الصحراء، تعمل نساء كثيرا في الزراعة ويعتمدن على الولوج إلى الأراضي لكسب عيشهن. ويمكن أن تؤدي برامج التكيف الهيكلي التي تشجع على خصخصة الأراضي إلى فقدان الأراضي الزراعية التي تشتغل فيها النساء، مما يقوض من قدرتهن على إعالة أسرهن والمشاركة في الاقتصاد المحلي (لاستريا-كورنهايل، 1997). ولا يؤثر فقدان الأراضي الزراعية على الاستقرار الاقتصادي للمرأة فحسب، بل يعزز أيضا من أوجه  اللامساواة الجندرية في الولوج للموارد.

اللامساواة الجندرية في سوق الشغل

وغالبا ما تستفيد القطاعات التي يهيمن عليها الذكور من التحرير الاقتصادي، مما يترك للمرأة فرصا أقل لتحقيق الرفاه الاقتصادي، وهذا يعمق أوجه عدم المساواة الجندرية في سوق الشغل ويحد من المشاركة الاقتصادية للمرأة وتمكينها (لاستريا-كورنهايل، 1997).

عواقب تقليص شبكات الحماية الاجتماعية

وتؤدي برامج التكيف الهيكلي والتدابير التقشفية إلى إضعاف شبكات الحماية الاجتماعية الضرورية لأفراد المجتمع الأكثر هشاشية. وغالبا ما تكون برامج مثل المساعدات العائلية والإعانات الغذائية من بين أولى البرامج التي تواجه تخفيضات في الميزانية (رازافي ، 2007)، حيث تتأثر النساء بشكل خاص بهذه التخفيضات، رغم كونهن يتحملن قدرا غير متناسب من مسؤوليات تقديم الرعاية.

ارتفاع الهشاشة وسط النساء

ومع إضعاف شبكات الحماية الاجتماعية، تواجه النساء هشاشة متزايدة خلال الأزمات الاقتصادية أو الشخصية. وتؤدي الإجراءات التقشفية التي تقلص المساعدات العائلية والإعانات الغذائية إلى تفاقم انعدام الأمن المالي للمرأة وتضع أعباء إضافية عليها للوفاء بأدوارها المنزلية ودور الرعاية (ماكينتوش وتيباندباج، 2006).

ففي زامبيا، على سبيل المثال، أدت الإجراءات التقشفية إلى تخفيضات كبيرة في برامج الدعم الاجتماعي، مما ترك العديد من النساء دون شبكات الأمان الاجتماعي الضرورية في أوقات المصاعب الاقتصادية أو الشخصية  (ماكينتوش وتيباندباج، 2006)، وهذا يسلط الضوء على كيفية تحول السياسات التقشفية إلى عبء على النساء بدلا من توفير الدعم الذي يحتجن إليه.

دراسة حالة غانا والمكسيك

  في غانا، أسفرت برامج التكيف الهيكلي عن تقليص كبير في الإنفاق العام على الصحة والتعليم. وأدت هذا الإجراء إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية ومحدودية فرص حصول الفتيات على التعليم. ونتيجة لذلك، واجهت النساء والأطفال حواجز متزايدة تحول دون حصولهم على الخدمات الأساسية، وظلت الفرص التعليمية لصالح للفتيات راكدة (كونادو – أغيمانغ، 2000).

وفي المكسيك ، أدت التدابير التقشفية في ثمانينيات و تسعينيات القرن العشرين إلى خصخصة الخدمات العامة الأساسية مثل المياه والكهرباء. وقد تأثرت النساء في المناطق القروية بهذه الإجراءات بصفة خاصة  حيث ارتفعت التكاليف وانخفضت فرص الحصول على هذه الخدمات الأساسية (لوستيغ، 2001). ويوضح هذا المثال الآثار الأوسع لتدابير التقشف على رفاه المرأة وفرص استفادتها من الخدمات الأساسية.

في الحاجة إلى الإصلاح: منظور نسوي لإنهاء مخلفات الإستعمار

غالبا ما نتج عن برامج التكيف الهيكلي والتدابير التقشفية التي فرضتها مؤسسات بريتون وودز آثار غير متناسبة على النساء في الجنوب العالمي، مما أدى إلى تفاقم عدم المساواة الجندرية وتعريض رفاههن للخطر. ولمعالجة هذه القضايا، من الأهمية بمكان إعادة النظر في هذه السياسات من خلال نظرة نسوية نقدية لإنهاء مخلفات الاستعمار، مع التركيز على حماية وتعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية وتعزيز المقاربات الاقتصادية الشاملة التي تراعي احتياجات المرأة وحقوقها.

وتكمن إحدى طرق معالجة هذه القضايا في زيادة الاستثمارات في الخدمات الاجتماعية ومراجعة سياسات التقشف لضمان التمويل الكافي لقطاعات مثل التعليم والصحة، حيث يسمح تحديد أولويات هذه الاستثمارات بتهيئة بيئات أكثر إنصافا ودعما للمرأة (إلسون، 2002).

ومن بين الخطوات الهامة أخرى، إنشاء وتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية لصالح الفئات الأكثر هشاشة، ولا سيما النساء. ويشمل ذلك تنفيذ برامج دعم قوية توفر المساعدة المالية وتضمن الولوج إلى الخدمات الأساسية (رزافي، 2007).

ومن الضروري كذلك الدعوة إلى تحقيق المساواة الجندرية وإدماج المقاربات الجندرية في تصميم السياسات الاقتصادية وتنفيذها.

 

المراجع:

Cagatay, N. (1998). Gender and Poverty. UNDP Social Development and Poverty Elimination Division. 1998

  • Elson, D. (2002). Gender Justice, Human Rights, and Neo-liberal Economic Policies. In M. Molyneux & S. Razavi (Eds.), Gender Justice, Development, and Rights. Oxford University Press. 2002.
  • Kabeer, N. (2003). Gender Mainstreaming in Poverty Eradication and the Millennium Development Goals: A Handbook for Policy-makers and Other Stakeholders. Commonwealth Secretaria. 2003.
  • Konadu-Agyemang, K. (2000). The Best of Times and the Worst of Times: Structural Adjustment Programs and Uneven Development in Africa: The Case of Ghana. The Professional Geographer, 52(3), 469-483. Accesed Jun 2024, https://doi.org/10.1111/0033-0124.00238 .
  • Lastarria-Cornhiel, S. Impact of Privatization on Gender and Property Rights in Africa. World Development, 25(8), 1317-1333, accessed June 2024, https://doi.org/10.1016/S0305-750X(97)00030-7.
  • Lustig, N. Shielding the Poor: Social Protection in the Developing World. Brookings Institution Press, 2001.
  • Mackintosh, M., & Tibandebage, P. Gender and Health Sector Reform: Analytical Perspectives on African Experience. In Gender and Social Policy in a Global Context. Palgrave Macmillan, 2006.

Razavi, S. The Political and Social Economy of Care in a Development Context. UNRISD, 2007.