MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

كيف أقصي الأفارقة بشكل مقصود من التنمية في إفريقيا

بيمنيت أغاتا وغوغو ريشا

 

لايخفى على أحد أن قطاع التنمية الدولية يعرف جدلا بين البلدان المتقدمة صناعيا أو اقتصاديا وتلك الأقل تقدما،حيث تتعدد المصطلحات الدالة على هيمنة الغرب أو دول الشمال على بقية العالم من قبيل العالم الأول والعالم الثالث والعالم المتقدم مقابل العالم النامي والشمال العالمي في مقابل الجنوب العالمي.

وتبقى هذه الهيمنة مترسخة ليس فقط من خلال التصنيف الثنائي للبلدان، ولكن من خلال المواقف والافتراضات والممارسات العالمية التي لا تزال تعتبر أن “الغرب أكثر دراية”. وقد امتدت هذه النظرة إلى أسس منظمات التنمية الدولية في جميع أنحاء العالم.

فإذا أخذنا على سبيل المثال سيناريو يتنافس فيه ثلاثة مرشحين للفوز بوظيفة مدير خبير إفريقي داخل منظمة دولية في زيمبابوي:

  • جيمس من المملكة المتحدة، له تجربة إفريقية بما فيها فترة ساحرة قضاها لمدة ستة أسابيع في ملاوي خلال برنامج الدراسة بالخارج،
  • كارولين من الولايات المتحدة، متخرجة في تخصص العولمة والتنمية والتحقت بفيلق السلام (Peace Corps) في كمبوديا وهي تقطن حاليا بأديس أبابا عاصمة إثيوبيا حيث تتلقى تعويضا عن المشاق علاوة على راتبها وتتمتع بفيلا سكنية فيها حديقة وتستعين بمترجم محلي في عملها الميداني،
  • نوما من زيمبابوي، ناشط محلي راكم أكثر من عشر سنوات تجربة في التنمية الإفريقية وله علاقات وثيقة بالجهود الشعبية ومعرفة عميقة باحتياجات المجتمع.

وبعد إجراء العديد من المقابلات، كانت المرشحة الناجحة هي كارولين من الولايات المتحدة! وكان العامل الذي أدى إلى اختيارها هو:  “منظورها الجديد” و “طاقتها الحماسية” التي سحرت قلوب اللجنة.

ويسلط هذا السيناريو الضوء على قضية أوسع نطاقا داخل قطاع التنمية الدولية حيث غالبا ما يشغل أفراد، مثل كارولين، من ذوي الخبرة المحدودة على أرض الواقع والمشاركة السطحية مع المجتمعات الأفريقية، أدوارا مؤثرة.

لكن كيف وصلنا إلى هذا الواقع؟

فبعد الحرب العالمية الثانية، تم تشكيل مؤسسات بريتون وودز لتعزيز أجندة التنمية العالمية للسلام والأمن والتعاون الاقتصادي ومساعدة البلدان الفقيرة. وعندما تم حلت هذه المؤسسات ووكالاتها المختلفة بشكل تدريجي محل قطاع المساعدات عن طريق منظمات التنمية الدولية، باعتبارها أدوات رئيسية لتعزيز الأهداف المذكورة على الصعيد العالمي، فقد ركزت بشكل أكبر على النظريات والمنهجيات الاقتصادية مثل التدخلات القائمة على الأدلة والإملاءات في مجال السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وبما أن أفريقيا هي أحد أكبر وجهات العمل التنموي، فمن المثير للتساؤل كون غالبية خبراء التنمية والممارسين في القارة ليسوا أفارقة.

أسس الإقصاء في مجال التنمية الدولية

من خلال فحص لحالة البحث والتنمية وإنتاج المعرفة في إفريقيا، يتضح أن هناك نقصا حاد في تمثيلية الأفارقة في هذه المجالات. فعلى الرغم من أن الأفارقة يشكلون 14٪ من سكان العالم وبغض النظر عن نموها الاقتصادي الكبير، إلا أن إفريقيا تساهم فقط بنسبة 1.1٪ من إنتاج المعرفة العلمية في العالم. وعواقب ذلك وخيمة، حيث يعني هذا الوضع أن النظريات والأدلة التي تستند إليها جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية لم تصغ من طرف الأفارقة ولم تتبلور داخل سياقات إفريقية. هنا نتسائل كيف يمكن لهذه الجهود  الاستجابة للتحديات التاريخية والمعاصرة للبلدان الأفريقية؟

ويمكن أن يعزى استبعاد الخبرات الافريقية إلى ممارسات التوظيف الإقصائية وهيكلة قطاع التنمية، بما في ذلك محدودية مصادر التمويل لصالح الباحثين الأفارقة، والحواجز اللغوية في النشر الأكاديمي، والشراكات غير المتكافئة بين مؤسسات البحوث الأفريقية ونظيراتها الغربية، وحقوق الملكية الفكرية غير المتناسبة، وعدم الاعتراف بنظم معارف الشعوب الأصلية وعدم دعمها. وقد أدت هذه العوامل باستمرار إلى تهميش الباحثين والممارسين الأفارقة ما أعاق من وصولهم إلى مناصب صنع القرار.

ولا يمكن الحديث عن التنمية الإفريقية دون ذكر الواقع العرقي والجندري المعقد في المجالات السالفة الذكر، حيث كشفت تجاربنا الخاصة كباحثين أفارقة شباب ومحادثاتنا مع أقراننا عن وجود أنماط مماثلة داخل العديد من منظمات التنمية بما في ذلك المنظمات الدولية غير الحكومية ووكالات التنمية ومنظمات الترافع في شرق وجنوب إفريقيا.

تعرف منظمات التنمية في إفريقيا هرمية عرقية على رأسها القيادة التنفيذية والمتخصصون والباحثون وهم في الغالب أوروبيين بيض، في حين تسند للسود والسمر الأدوار الإدارية والمشاركة المجتمعية والتنفذية. وتثير هذه الأنماط أسئلة ملحة من بينها: “من هو المنتج الشرعي للمعرفة؟”،  “هل يتم اقصاء القيادة والمعرفة الأفريقية عمدا من هذه المجالات وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟.”

وسواء كانت هذه التوجهات مقصودة أم لا، فإنه يجب معالجتها لأنها تزيد من ترسيخ اللامساواة التي تزعم أنها تعمل لمحاربتها. لذلك،  تشير هذه الهرمية العرقية للسلطة إلى أن الكثير ظل كما هو على المستوى الهيكلي، حيث كان البيض على رأس الأدوار القيادية بينما يشغل السود ما يسمى بأدوار المبتدئين. ويشير هذا الوضع إلى انعدام الثقة في قدرات الكفاءات والمفكرين وقادة الأفارقة في سياقاتهم الإفريقية.

إن النقص في تمثيلية السكان المحليين، وتحديدا السود والسكان  الأصليين، في الأدوارالمتوسطة والعليا له عواقب بعيدة المدى، تمتد إلى البحث والتطوي، مما يؤدي إلى ترسخ تحيزات وافتراضات مضللة حول السكان المحليين وسياقاتهم. في غياب معالجة فعلية، يؤدي هذا الاختلال إلى محدودية التدخلات والبرامج و إلى عواقب أخلاقية أكثر تعقيدا، على الرغم من النوايا الحسنة لهذه المنظمات.

النساء السود هن الأكثر تضررا والأقل تمثيلا

في مجال المنظمات غير الحكومية الإنسانية الدولية، تواجه النساء، ولا سيما ذوات البشرة السوداء، تهميشا كبيرا في الاقتصاد السياسي لإنتاج المعرفة وفي صنع القرار. وبحكم تعرضهن لاستبعاد تاريخي من المناصب القيادية والبحثية، فإنهن يواصلن النضال من أجل التمثيل والتأثير. وغالبا ما يتم تجاهل الناشطات السود على الرغم من أدوارهن الحاسمة في التعبئة الشعبية وتنزيل المساعدات الانسانية في مجالات المرتبطة بالقواعد الشعبية والعمل الميداني المحلي حيث يدافعن عن قضايا ملحة مثل السيادة الغذائية والتعويض عن الأضرار وإلغاء الديون المجحفة.

من المرجح أن تؤدي التدخلات والسياسات رفيعة المستوى من المنظمات التي تدعي أنها تقدم حلولا لهذه التحديات مع تهميش الأنظمة المحلية والرؤى والمجتمعات المعنية إلى “تبييض” جهود المبادرات المحلية الحالية ونشر ديناميات المنقذ الأبيض.

وتساهم ممارسات التوظيف داخل منظمات التنمية الدولية في ترسيخ التفاوتات في الأجور، مما يديم في الانتقاص من قيمة العمالة السوداء. وغالبا ما تبرر هذه المنظمات عدم المساواة في التعويضات من خلال “تعديلات تكلفة المعيشة”، والتي تؤدي إلى الرفع من أجور المغتربين بنسبة تصل إلى 900٪ مقارنة بأجور الموظفين المحليين، مما يجبر الموظفين الأفارقة على العيش على الحد الأدنى للرواتب داخل بلدانهم. في المقابل، يتلقى نظراؤهم المغتربون من الشمال العالمي حزم مكافآت شاملة سخية، بما في ذلك مكافآت المشقة والتأمين الصحي وتعويض السكن. وهذا لا يعكس فقط أوجه عدم المساواة البنيوية فقط بل يرسخها، لأن تحديات العيش في أفريقيا  تقتضي حوافز مالية مبالغ فيها لصالح المغتربين.

وعلى الرغم من تعميم مبادرات مثل “التنوع والإدماج” -التي تم استيرادها من شركات القطاع الخاص-  بهدف معالجة الإقصاء، فإن واقع عالم التنمية لا يزال مثيرا للقلق. فغالبا ما تشغل النساء ذوات البشرة البيضاء – رغم كونهن مستفيدات من جهود التنوع والإدماج- مناصب قيادية داخل هذه المنظمات. إن التمثيل المفرط للنساء البيض في المناصب القيادية يعكس وهم تحقيق تقدم من خلال الوفاء بالحصص الجندرية ويخفي التهميش المستمر للنساء الأفريقيات والمجموعات الأخرى ذات التمثيلية الضعيفة.

ويتفاقم هذا الإقصاء بسبب التحيز المتأصل السائد في لجان التوظيف التي غالبا ما تتكون من رؤساء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين البيض داخل معظم المنظمات غير الحكومية الدولية. ونتيجة لذلك، غالبا ما تواجه النساء الأفريقيات الإقصاء بسبب الهويات المتقاطعة، حيث تجعلهن الاختلافات المركبة أكثر بعدا عن تصورات متخذي القرار.

ويتجلى التمثيل غير المتناسب في قطاع التنمية في مشهد مفكك مع وجود فجوات مستمرة بين التطلعات والنتائج الفعلية للسياسات. وقد أدت محدودية موارد الباحثين والممارسين الأفارقة، إلى جانب إيلاء التغيير الاجتماعي إلى المنظمات غير الحكومية وتغيير الأولويات بين شركاء التنمية، إلى إعاقة بناء الحركات السياسية بشكل كبير. وتؤدي هيمنة جداول الأعمال التي تقودها المنظمات غير الحكومية الدولية من الشمال العالمي إلى تفاقم هذا الانفصال من خلال البحث عن حلول مبسطة لتحديات التنمية الأفريقية المعقدة، مما يؤدي إلى تدخلات مضللة وبرامج غير متناسقة.

ما المطلوب من أجل مقاربة جديدة لتحقيق التنمية الإفريقية

إن القطيعة مع مخلفات الاستعمار، التي غالبا ما توصف بالحل للتفاوتات البنيوية في التنمية، قد تم إفراغها من محتواها السياسي والتاريخي القوي. لذا، يجب أن يتجاوز خطاب إنهاء مخلفات الاستعمار المستوى الخطابي، وذلك من أجل التركيز على تحويل ديناميات السلطة والحد من لتحيزات المؤسسية، وتعزيز بيئة حيث يحظى كل الأفراد، وخاصة الأفارقة، بالتقدير والدعم. ويجب أن يشمل هذا الالتزام أيضا سد االفوارق المالية في الأجور وتقديم تعويضات مادية تعكس إلى حد ما قيمة مساهماتهم.

تم تشكيل المشهد التنموي الحالي من خلال ديناميات القوة التاريخية والموروثات الاستعمارية، ما أدى في الغالب إلى  تفضيل الخبراء الأجانب على حساب الممارسين المحليين، وهو الأمر الذي أنتج نخبوية وتحيزا عرقيا وترسيخا للذكورية. وهذا يعزز من موقع المعرفة الغربية كحقيقة لا جدال فيها مع تهميش الأنظمة المعرفة المحلية باعتبارها ذاتية أو غير منطقية. وهكذا، يجب علينا نحن الممارسين الأفارقة أن نتساءل بجدية عن مصادر المعرفة، وما الذي يعتبر معرفة، وما هي التجارب التي يمكن اعتبارها مصادر للاقتداء.

إن وضع الأفارقة في طليعة جهود التنمية أمر بالغ الأهمية لتحقيق قارة مزدهرة وتعزيز رؤية إفريقية تحمي من السيطرة الخارجية والمصالح التي تستهدف الربحية. وأمام الأزمات البيئية والمالية والجندرية والعسكرية المتصاعدة، يجب أن تكون استجاباتنا مناسبة لحجم هذه التحديات بشكل يسمح ببلورة تصور استراتيجي افريقي مرن.

إن إفريقيا على مفترق الطرق من أجل الحسم في تنميتها. وفي النموذج الجديد الذي يهدف إلى نقل السلطة، يجب أن نعطي الأولوية لإعادة صياغة السياسات بعيدا عن هياكل السلطة المهيمنة والاعتراف بأن الحلول الحقيقية تنتج من داخل المجتمعات. فمن خلال الدعوة إلى إنهاء إقصاء الأفارقة من مجالات البحث المهنية والتنموية الملحة، نسعى إلى اختراق الحواجز وبناء عالم جديد حيث يتم اعتبار الأفارقة بمثابة صانعيي حلول مبتكرة للتحديات العالمية المتعددة الأوجه والتي نواجهها بشكل جماعي.