مؤتمر الأطراف 29: ملخص وتأملات في قضايا العدالة والحركات والتمويل المناخي
by Shady Khalil كتابة شادي خليل
خلال مؤتمر الأطراف 29، عقدت آمال كبيرة على تمويل المناخ، وخاصة الهدف الجماعي الكمي الجديد (NCQC)، باعتباره شريان حياة بالنسبة لأشد المجتمعات هشاشة في العالم والتي تعاني فعليا من ارتفاع مستويات البحر والجفاف المدمر والعواقب المستمرة لأزمة مناخ لم يساهموا في خلقها.
وفي سياق ترتفع فيه الانتظارات، شكل التمويل نقطة ضعف في مفاوضات المناخ العالمية. فبدون تمويل كافٍ، يبقى التكيف مجرد حلم بعيد المنال، حيث تتعثر جهود التخفيف وتظل الخسائر والأضرار دون تعويض.
فبينما كنت أتجول في قاعات مؤتمر الأطراف 29 المزدحمة، حيث المفاوضات والاحتجاجات والنقاشات الحماسية، وجدت نفسي أتأمل في كتاب لنوال السعداوي بعنوان “الوجه العاري للمرأة العربية” تحدثت فييه عن الاستغلال، سواء من قبل الأنظمة الأبوية أو الدول الإمبريالية أو القوى الاقتصادية، الذي يتغذى على صمت وخضوع المظلومين وداعية إلى المقاومة لاستعادة القوة والكرامة. فعلى الرغم من الخيانات والتحديات خلال مؤتمر الأطراف، كان من الملهم بنفس القدر أن نرى كيف اجتمعنا كحركة، لاستعادة القوة مسترشدين بالعديد من القيم والأعمال التي دافعت عنها النسويات داخل حركة المناخ لسنوات.
إزالة الطابع الكولونيالي عن العمل المناخي: مواجهة الاستعمار والاستعمار الجديد في مؤتمر الأطراف 29
وشكل النقاش العالمي حول قضية غزة إحدى أكثر اللحظات المؤثرة خلال مؤتمر الأطراف، حيث تم التنبيه إلى أن الوقود الأحفوري، العمود الفقري للأنظمة القمعية، قد مكن إسرائيل من ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة. كما تردد صدى الدعوة إلى فرض حظر طاقة على إسرائيل خلال مختلف الأنشطة والمناقشات، وطالب النشطاء من جميع أنحاء العالم بوقف تدفق الوقود الأحفوري إلى الكيانات المتواطئة مع العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.
كما أثارت المادة 6 من اتفاقية باريس، التي تحكم أسواق الكربون وآليات التعويض، الكثير من الجدل، حيث تسمح هذه الآليات للدول الغنية ولشركات الوقود الأحفوري بتعويض انبعاثاتها من خلال تمويل مشاريع في البلدان الفقيرة، مما يؤدي غالبًا إلى الاستيلاء على الأراضي وتشريد المجتمعات الهشة. ففي مؤتمر الأطراف 29، تم توجيه انتقاذات حادة إلى هيمنة الحلول التكنوقراطية، مثل أسواق الكربون والتعهدات الغامضة بتحقيق صافي انبعاثات صفرية. فالحلول التكنوقراطية مثل أسواق الكربون تحرف الانتباه بعيدا عن الحاجة الملحة للتغيير الهيكلي من أجل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري ووقف توسعه في كل مكان. فالوقود الأحفوري هو أحد المسببات الرئيسية لتغير المناخ، وقد حقق مؤتمر الأطراف 28 بالفعل توافقًا عالميًا على ضرورة التخلص منه وفقا لهدف 1.5 درجة مئوية. فما نحتاجه الآن هو مساهمات محددة وطنياً (NDCs) تلتزم بشكل لا لبس فيه بوقف توسع الوقود الأحفوري ورفض الحلول الضارة، كما يجب إعطاء هذه الخطط الوطنية الأولوية للعمل الجريء والمباشر لإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري بدلاً من الاعتماد على الحلول الزائفة التي تقدم تأخيرات وأعذار.
التمويل كساحة معركة: القروض واللامساواة والمماطلة
وركزت مناقشات مؤتمر الأطراف 29 على الهدف الجماعي الكمي الجديد (NCQG) لتمويل المناخ ، الذي يسعى إلى استبدال الهدف السنوي القديم البالغ 100 مليار دولار بإطار مالي يتناسب مع حجم تحديات المناخ الحالية. فبالنسبة للجنوب العالمي، لم تكن هذه مجرد مفاوضات حول الأرقام، بل كانت معركة من أجل البقاء والعدالة. و في حين طالبت الدول والنشطاء من الجنوب العالمي بتمويل يعكس الطابع الاستعجالي لأزمة المناخ، وافقت أغنى الدول على تعبئة 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2035 – وهو رقم أقل بكثير من الحاجيات الفعلية، مما يثير القلق بشأن الاعتماد على القروض والتمويل الخاص بدلاً من الدعم العام القائم على المنح. وقدرت مجموعة خبراء مستقلة رفيعة المستوى (IHLEG) أن الدول النامية تحتاج إلى تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030 و1.3 تريليون دولار بحلول عام 2035 لضمان عمل مناخي فعال، الأمر الذي يكشف الهوة الكبيرة بين الالتزامات والاحتياجات على أرض الواقع.
النشطاء ودول الجنوب العالمي وقفوا متحدين، حازمين، ومتفقين على ما هو ضروري: تمويل يكون متاحًا، تعويضيًا، وعادلًا. منح، وليس قروض. سيطرة محلية، وليس استثمارات مدفوعة من الشركات. إعادة توزيع، وليس استغلال. أي شيء أقل من ذلك هو ظلم كبير للمجتمعات التي تتحمل وطأة الدمار المناخي. للأسف، فشلت هذه المفاوضات في تلبية هذه المطالب، مقدمة خيانات بدلاً من العدالة. بدون أهداف فرعية، تمويل غير كافٍ وخطر الأدوات القائمة على الديون.
وقد قف النشطاء ودول الجنوب العالمي في اتحاد وعزم متفقين على ما هو أساسي: تمويل يكون متاحًا وتعويضيًا وعادلًا، على شكل منح عوض القروض مع تحكم محلي بدلا من الاستثمارات التي تتحكم فيها الشركات، علاوة على إعادة التوزيع مكان الاستغلال. فأي شيء أقل من ذلك هو ظلم كبير للمجتمعات التي تتحمل وطأة الدمار المناخي. وللأسف، فشلت هذه المفاوضات في تلبية هذه المطالب، مقدمة خيانات بدلاً من العدالة وتمويل غير كافٍ وما يعرض المجتمعات الأكثر هشاشة لخطر الأدوات القائمة على الديون.
ومع ذلك، فإن وحدتنا كناشطين وكدول الجنوب العالمي تبقى أهم ما تم تعزيزه خلال المؤتمر. فهذه القوة الجماعية هي أساسنا التي سنواصل البناء عليها.
الطريق إلى الأمام: حركات تحويلية، وليس إصلاحات تدريجية
تم خلال مؤتمر الأطراف 29 التذكير بشدة بالتحديات التي لا تزال قائمة مثل إصرار أغنى الدول على تقديم الفتات فقط مما هو مطلوب ومستحق في التزامات التمويل، كما تم ابراز الحاجة المستعجلو إلى حلول هيكلية عوض الحلول التكنوقراطية التي تحول دون تحقيق تغيير جذري. فنحن لا نقاوم الاستغلال فحسب، بل نعيد تصور عالم تكون فيه العدالة هي القاعدة، وليست الاستثناء.
وأنا أغادر مؤتمر الأطراف 29، انتابني شعور مزج الغضب بالأمل. غضب من الأنظمة التي تستمر في خذلاننا وأمل في الحركات التي ترفض الاستسلام. إن الحركة النسوية، بتفانيها المستمر في تعزيز التقاطعية والتغيير الجذري، ليست مجرد عدسة نرى من خلالها أزمة المناخ، بل هي خارطة طريق توضح كيفية محاربتها. فخلال المؤتمر، رأيت ملامح العالم الذي نحارب من أجله في زملائي وأصدقائي،عالم عادل ومستدام ومنصف، إنه عالم يستحق النضال من أجله.