لقد أثار الفشل في بلوغ الهدف الجديد للتمويل المناخي الجماعي (NCQG) نقاشا كبيرا خلال مؤتمر الأطراف 29 في باكو، وقدمت شبكة العالم الثالث تقريرًا مفصلًا حول الأحداث التي تخللت الموافقة على الوثيقة، بما في ذلك الغضب المعبر عنه في قاعة الجلسة العامة بعد أن تم فرضها على دول الجنوب العالمي من قبل الرئاسة.
فالأمر يتعلق باتفاق فاشل بخصوص هدف التمويل المناخي الجديد، الذي شمل عبارات رئيسية من قبيل التزام الدول المتقدمة بـ “تعبئة” (والتي تشير إلى “مجموعة متنوعة من المصادر”) 300 مليار دولار أمريكي، بدلاً من “تقديم” التمويل المناخي. وحسب جوش جاباتيس، فإن استعمال مفهوم “تقديم” يعني توفير التمويل العام والتمويل التفضيلي. ويتضح أن لغة الاتفاق غامضة للغاية، خاصة عند القول أن المبلغ سيتم صرفه “بحلول عام 2035″، مما يمنح مجالاً للهروب من الالتزام السنوي. و يشرح أسد رحمان أن المبلغ مثير للسخرية فعلا بالنظر إلى أثر التضخم. ومع وجود استثمارات منتظمة من قبل بنوك التنمية المتعددة الأطراف والقطاع الخاص والتمويل المختلط وأدوات الدين (مثل السندات)، فإنه لا يوجد مسار حقيقي لتوجيه أموال جديدة نحو احتياجات دول الجنوب العالمي فيما يتعلق بالتخفيف والتكيف والخسائر والأضرار. وتؤلمنا قراءة هذا الاتفاق الذي أمعن في دفن الإطار المؤسسي القائم على المسؤوليات المشتركة رغم اختلافها، حيث يدعو أيضًا الدول النامية للمساهمة في الهدف. ولم يترك الاتفاق أي مقترح مؤذ إلا وأشار له مثل المشاريع الضخمة، والحلول الزائفة، والقروض، وسطوة بنوك التنمية المتعددة الأطراف، وأسواق الكربون كـ “تمويل مناخي”. ويوضح براندون وو أن الاتفاق يشكل تملصا كبيرا للدول المتقدمة من التزاماتها التاريخية، حيث يختبئون جميعًا خلف الولايات المتحدة.
ويتجلى السؤال الأهم الذي ينتظر إجابة جماعية في: لماذا تصلح اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)؟ إن استيلاء النخب الاقتصادية ولوبيات الوقود الأحفوري عليها هو جزء من جهد أكبر من قبل الدول الغنية للقضاء على تعددية الأطراف. لذلك، أعتقد أن الإجابة لا يمكن أن تأتي بشكل منفصل عن هذا السياق. فهناك العديد من المناقشات الصعبة التي يجب أن نجريها فيما بيننا في الأشهر المقبلة.
لقد أنصتت للمطالبب المتعلقة بوضع هدف فعال لتمويل المناخ في المؤتمر الرابع لتمويل التنمية (FfD)، الذي سيعقد من 30 يونيو إلى 3 يوليو 2025 في إشبيلية بإسبانيا، وأعتقد أن الطريق ليس بسيطًا كما قد يبدو.
أولاً، بنفس الطريقة التي ينظر بها البعض إلى مؤتمر تمويل التنمية (FfD) لتقديم بدائل لاتفاق الهدف الجديد للتمويل المناخي (NCQG)، ستحاول دول الشمال العالمي التصديق على الاتفاق ودمجه في نتائج المؤتمر. وحتى الآن، ذلك ما تمت الإشارة إليه في ورقة العناصر التي أصدرها الميسران المشاركان في الأسبوع الأخير من نوفمبر، والتي ضمت خارطة الطريق الباهتة التي صاغتها رئاسة مؤتمر الأطراف 29. كما تم اقتراح دور لبنوك التنمية المتعددة الأطراف، الذي تم التصديق عليه في ميثاق المستقبل، كوثيقة يجب ربطها بنتائج مؤتمر تمويل التنمية، رغم أن ذلك من شأنه تعزيز وجهات نظر الأطراف الساعية إلى الحفاظ على الوضع القائم. وبالطبع، يجب علينا رفض كل هذه الاقتراحات بشدة في جهودنا الترافعية، رغم أن هناك سيناريو صعب ينتظرنا.
ثانيًا، هناك سوء فهم كبيرحول ما يتعلق بفضاء بتمويل التنمية FfD الذي ينظر له في الغالب كفضاء معياري تتم فيه مناقشة الديناميكيات الاقتصادية والمالية العالمية. إن اعتبار هذا الفضاء كبوابة “لجمع التبرعات” لقضايانا سيكون فرصة ضائعة كبيرة لتحدي جذور المشكلة: النظام الرأسمالي النيوليبرالي الذي يعطي الأولوية لمصالح رأس المال على حساب إعادة إنتاج الحياة.
ثالثًا، خطورة حالة الطوارئ المناخي تعتبر من ضمن الحدود الكوكبية التسعة. حتى الآن، تجاوزنا ستة من تلك الحدود التسعة. كل من هذه الحدود الكوكبية مترابطة، وتغير المناخ والتنوع البيولوجي لهما تأثيرات متقاطعة على البقية. هناك عمليات حكامة دولية تعالج بعض جوانب هذه الحدود الكوكبية، في محاولة لضمان الحفاظ عليها واستعادتها، مثل المفاوضات الحالية حول البلاستيك، أو تلك التي تجري تحت الاتفاقين الأخرين من اتفاقيات ريو (حول التنوع البيولوجي والتصحر). وكل اتفاق واجه مقاومة قوية من الدول الغنية التي تتهرب باستمرار من الوفاء بمسؤولياتها التاريخية عن تدمير سلامة دورات المحيط الحيوي. ويعطي مؤتمر الأطراف لاتفاقية التنوع البيولوجي في كالي هذا العام مثالا على ذلك. ومرة أخرى، تركز النقاش حول التمويل، لكن التهرب من الالتزامات كان كبيرًا لدرجة أن المؤتمر اختتم دون أي اتفاق مالي، مع انتهاء النقاشات حول هذه القضايا، نظرًا لعدم اكتمال النصاب القانوني. وفي المفاوضات حول البلاستيك، هناك أيضًا طلب من الدول النامية لإنشاء صندوق يمكن أن يساعدها في معالجة العمل العاجل المطلوب. وبدلاً من الدعم، يواجه الجنوب العالمي أيضًا رد فعل قوي مع وجود 220 من جماعات الضغط في مجال الوقود الأحفوري (يفوق عددهم حتى عدد مندوبي الاتحاد الأوروبي)، الذين يحاولون تقويض الإشارات إلى دورة حياة البلاستيك بأكملها، التي تبدأ باستخراج هذه المواد.
وبالتالي، هناك ضرورة للعمل الدؤوب المتفرد الذي تقوم به الحركات المختلفة، كما أن هناك ضرورة للحصول على التمويل لتعزيز العمل البيئي والمناخي، ويجب على الملوثين أن يدفعوا دون شك. ولكن علاوة على ذلك، ما هو مطلوب هو إحداث تغيير بنيوي للابتعاد عن النظام الاقتصادي الحالي الذي يستنزف الحياة على الكوكب، ويضر بمن ساهموا بأقل قدر في تدمير الكوكب، بينما يزيد من عدم المساواة. ووفق النظام الحالي، هناك بالتأكيد مسؤولية تاريخية على عاتق الدول الغنية (نفس الجناة، مرارًا وتكرارًا) بسبب سعيها لترسيخ نظام اقتصادي يخدم مصالحها ومصالح نخبها، بما في ذلك رأس المال الاحتكاري في مختلف أنحاء العالم.
في هذا الصدد، يعد المؤتمر الرابع لتمويل التنمية مساحة تتحد فيها المزيد من الأصوات للمطالبة بإصلاح الهيكل المالي العالمي من أجل ديمقراطية في اتخاذ القرارات الاقتصادية المتعلقة بالموارد العامة والخاصة والعدالة الضريبية وعدالة الديون وعدالة التجارة والتكنولوجيا والعدالة الرقمية والبيئية وغيرها، مع ضمان حقوق الإنسان والمساواة الجندرية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تكون هذه المساحة التي تركز فيها دول الجنوب العالمي على مطالبها بالسيادة والاكتفاء الذاتي والاستقلالية، بحيث تكون الاقتصادات مثمرة فعليا وتوفر الظروف المادية للحياة.
لذا، يعد المؤتمر الرابع لتمويل التنمية فرصة لتركيز المطالب الهيكلية وإعادة توجيه رؤية تشمل رفاهية الناس والكوكب، حيث نواجه المسؤولين عن الممارسات الاستعمارية والإمبريالية الاستخراجية الإجرامية، الذين يستحوذون على مساحات اتخاذ القرار الرئيسية ويضيقون من مساحة الاكتفاء الذاتي والاستقلالية لدول الجنوب العالمي. وسيوفر المؤتمر كذلك مساحة لطرح أسئلة صعبة على قادة الجنوب العالمي الذين يتمايلون في أصواتهم ليتماشوا مع المصالح الأجنبية، ويعطون الأولوية لرأس المال على حساب الحياة. وتجدر الإشارة إلى أنه سيتم توفير هذه المساحة الفريدة للعمل كحركات متعاضدة وتوحيد أصواتنا في دعوة شاملة ومتعددة للعدالة.
خيبت مناقشة تمويل المناخ في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) التي اتخذت شكل الهدف الجديد للتمويل المناخي (NCQG) الآمال مرة أخرى. لذلك، يجب أن نركز على مصلحة الكوكب وتحقيق العدالة للفئات التي عانت من الأضرار لفترة طويلة. ويمكن أن يكون المؤتمر الرابع لتمويل التنمية (FfD) مساحة ذات فاعلية في حال كنا متحدين في تحدي النظام الاقتصادي.
إميليا رييس هي مديرة برنامج السياسات والميزانيات من أجل المساواة والتنمية المستدامة في المساواة بين الجنسين: المواطنة والعمل والأسرة، وهي منسقة مشاركة لمجموعة العمل النسائية المعنية بتمويل التنمية، ومشاركة في قيادة تحالف العدالة الاقتصادية والعمل بشأن الحقوق. وهي منسقة حملة الحملات، التي تعمل على تعزيز التعبئة بين الحركات حول قضايا الاقتصاد الكلي والبيئة. وهي أيضًا مؤلفة مساهمة في الجزء “النوع الاجتماعي والعدالة المناخية والمسارات التحويلية” من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: تغير المناخ 2022: التأثيرات والتكيف وقابلية التأثر.