MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

ما بشر به صندوق النقد الدولي المصريين في اجتماعات مراكش: المزيد من الفقر

بيسان كساب،

 

“باستثناء معدلات التضخم” هذا هو الاستثناء الوحيد الذي اعتبره وزير المالية المصري محمد معيط يستحق الذكر، حين كان يتحدث مع ممثلى مؤسسات التصنيف والبنوك العالمية خلال لقاءات ثنائية متتالية على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين  التي انتهت قبل أيام.

فخلال تلك الجلسة، قال معيط “إن وضع الاقتصاد الكلي الحالي أفضل بكثير مما كان عليه في الفترة ٢٠١١/ ٢٠١٥ التى بلغ خلالها متوسط النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي ٣٪ مقارنة بمتوسط حول ٤٪ حاليًا إضافة إلى متوسط بطالة ١٢,٤٪ مقارنة بـ ٧,٢٪ حاليًا، وبالتالي فالوضع الاقتصادي الحالي يعتبر في موقف أقوى” حسبما نقل عنه بيان رسمي من وزارة المالية.

وفي نفس السياق، تفاخر الوزير الذي تراجع تصنيف بلاده الائتماني الى نفس المستوى الذي كان عليه قبل عشر سنوات،  بأن “وضع المالية العامة  للدولة الحالي أفضل بكثير مما كان عليه خلال الفترة من ٢٠١١ حتى ٢٠١٥، حيث سجل الميزان الأولي عجزًا متتاليًا بلغ متوسطه نحو ٣,٩٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بتحقيق فوائض أولية متتالية منذ عام ٢٠١٧ التي سجل آخر بيان لها نحو ١,٦٣٪، مما يعكس مدى التزام وزارة المالية بالانضباط المالي إضافة إلى خفض العجز الكلي من متوسط ١١,٢٪ إلى ٦٪ عن نفس فترات المقارنة”.

ما يبدو ملفتا للنظر أو بالاحرى السخرية، هو أن معدلات التضخم التي اعتبرها معيط الاستثناء الوحيد من سجل الانجازات هذا، هي التي قادت معدلات الفقر إلى أعلى مستوى في تاريخ البلاد، كما اتضح من خلال نتائج دراسة مستقلة اعلن عنها في القاهرة يوم الاحد الماضي بالتزامن تقريبا مع حديث الوزير في مراكش.

كشفت نتائج الدراسة تلك عن ارتفاع معدلات الفقر في 2023 إلى 35.7% قياسا إلى 29.7% في 2019/2020 -وهو آخر معدل للفقر أعلنت عنه الحكومة رسميا في “بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك” الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

جاءت نتائج الدراسة التي أجرتها مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة بشكل مستقل عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي تأخر في الإعلان عن نتائج بحث الدخل والإنفاق لأكثر من عشر شهور، وهو ما يبدو مفهوما بطبيعة الحال في ظل قرب الانتخابات الرئاسية المنتظرة في الوقت الذي لا يخفى على أحد تراجع شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل حاد بالذات على خلفية هذا الارتفاع في معدلات التضخم.

ارتبطت زيادة الفقر أو بالأحرى تسارع معدل الفقر بالارتفاعات القياسية في معدلات التضخم إلى أعلى مستوى لها في تاريخ البلاد وصولا الى تخطي معدل التضخم العام حاجز الاربعين بالمئة في سبتمبر الماضي، وهي ارتفاعات ارتبطت في الأساس بتخفيض سعر الجنيه على نحو ارتبط بشكل مباشر بالاتفاقات المتتالية مع صندوق النقد الدولي في الفترة ما بين 2016 وحتى 2022.

فخلال تلك الفترة تقريبا، تراجع سعر الجنيه بنسبة سبعين بالمئة تقريبا  بحيث تخطى سعر الدولار ثلاثين جنيها هذا العام مقابل تسعة جنيهات قبل سبعة سنوات.

وفي ظل تلك العلاقة الوثيقة بين معدل الفقر ومعدلات التضخم التي كانت نتيجة مباشرة لتراجع سعر الجنيه ضمن شروط الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي، كانت اجتماعات الخريف نفسها تشهد الإعلان من قبل كريستينا جورجييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي ا عن قرب اجراء مراجعة الاتفاق الجديد  مع مصر، بحيث تجرى قبل نهاية العام.

كان من المقرر اجراء المراجعة الأولى في مارس الماضي،ولم تجر حتى الآن في ظل تحليلات تشير ارتباط مباشر بين تأخر مصر في السماح بالمزيد من الخفض في سعر الجنيه، في الوقت الذي سبق وانتقدت جورجييفا علنا ما اعتبرته سياسة لتثبيت سعر الجنيه المصري.

وبهذا، بدت تصريحات جورجييفا بقرب إجراء المراجعة أخيرا، اقرب إعلان مسبق عن خفض جديد في سعر الجنيه، لا يمكن تصور معه الارتفاع الذي سيصاحبه في معدلات التضخم، وبالتالي الفقر، مع العلم أن تلك الخطوة تنتظر فقط اجراء الانتخابات الرئاسية المزمعة في مصر في ديسمبر المقبل.

هذا بالظبط هو ملخص العلاقة بين صندوق النقد الدولي ومصر تاريخيا، المزيد من التفاخر الدائم من الطرفين بتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي بغض النظر عما وراءها من فقر وتراجع في مستويات المعيشة. ومن نفس المنطلق بالظبط، لم تحمل الاجتماعات السنوية هذا العام أي جديد في هذا السياق.

لكن المثير للتأمل هذه المرة، هو أن التقشف بما تضمنه من افقار لم ينجم عنه حتى استقرار على مستوى معايير السلامة المالية على نحو حتى كان يمكن ان يمثل تبريرا لقسوة التقشف. بل على العكس تماما، فبعد أيام من تلك الجلسة التي كان وزير المالية يتباهي فيها بمؤشرات الاقتصاد الكلي أمام ممثلي وكالات التصنيف الائتماني، كانت وكالة ستاندارد اند بورز تخفض التصنيف الائتماني لمصر.