MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

من غياب العدالة إلى المقاومة: النضال من أجل عدالة مناخية ومستقبل أفضل

by Safa' AlJayoussi كتابة صفاء الجيوسي

لقد أسدل الستار على مؤتمر الأطراف التمويلي، لكن صداه سيتردد لسنوات. وسيذكر التاريخ والأجيال القادمة أن من كان لديهم القدرة على إحداث تغيير، اختاروا عدم القيام بذلك. فبينما كانت الدول تناقش الهدف الجماعي الكمي الجديد(NCQG)، تم الكشف عن الفوارق الصارخة للمفاوضات المناخية العالمية. فرغم اعتراضات واضحة للعديد من الدول، وخاصة في الجنوب العالمي الذي يقف في الخط الأمامي للأزمة، فرضت رئاسة مؤتمر الأطراف بشكل أحادي قرارات تحمي الأغنياء والأقوياء وتتجاهل الفئات الهشة. ولم يكن هذا خطأً، بل كان استراتيجية متعمدة للحفاظ على الهيمنة وحماية الوضع القائم للمصالح.

لاللانخداع بما وصف بـ”انجاز” 1.3 تريليون دولار

لقد تمت الاشادة بالهدف المالي للمناخ البالغ 1.3 تريليون دولار باعتباره “انجازًا تاريخيًا”. لكن هذا الاحتفال مضلل، خاصة من منظور الجنوب العالمي، الذي لا يعتبره انتصارا بقدر ما هو إلهاء للرأي العام تشوبه وعود مبالغ فيها دون آليات للمحاسبة. 

وبدلاً من معالجة اللامساواة الهيكلية في تمويل المناخ، حولت الدول الغنية الانتباه إلى أرقام ضخمة تخفي عدم رغبتها في تحمل المسؤولية. إن مبلغ 1.3 تريليون دولار هو واجهة، تتجاهل القضية الأساسية: رفض الدول المتقدمة تقديم تمويل عادل ومتاح أو الاعتراف بانبعاثاتها التاريخية،   حيث تم تحويل اللوم بشكل مريح إلى “الجيوسياسة” أو المقاومة المزعومة للدول النامية.

لكن هذا الرقم يثير القلق بافتقاره إلى الوضوح بشأن كيفية تعبئة الأموال. فمع وجود التمويل الخاص والبنوك التنموية متعددة الأطراف (MDBs) في المركز، يتحول التركيز إلى الآليات التي تستهدف الربح. فهذه الآليات تفرض تدابير تقشفية، وتعمق الديون، وتعطي الأولوية للاستثمار الخاص والربح. لذا، فهذا الهدف الفارغ لا يستحق التصفيق له، لأنه من شأنه أن يترك الدول الأكثر هشاشة تتحمل عبء المناخ والثقل المالي. فالرقم الحقيقي الوارد في نص الدول المتقدمة هو 300 مليار دولار سنويًا، بما في ذلك القروض، وهو بعيد جدا عن 1.3 تريليون دولار من التمويل العام المطلوب وبعيد عن ما دعت إليه منظمات مثل أوكسفام التي طالبت بـ 5 تريليونات دولار على شكل ديون المناخ والتعويضات.

تحويل اللوم وتشجيع التمويل الذي يستهدف الربح 

يتجلى أحد أبرز التكتيكات المعتمدة خلال مفاوضات مؤتمر الأطراف في تصوير الدول النامية كعقبات أمام التقدم، مما يحول الانتباه بعيدا عن الملوثين الحقيقيين التاريخيين والأنظمة الاقتصادية الاستغلالية، كما تتجاهل هذه السردية دعوات الجنوب العالمي لعمليات عادلة وشفافة ودعم مالي كافٍ.

وشكل السعي نحو توسيع قاعدة المساهمين خطوة ماكرة لنقل المسؤولية المالية إلى الدول التي تعاني بالفعل من تأثيرات المناخ. وقد تم تقديم هذا المقترح كـ”حل وسط” لتأمين تمويل أعلى، لكنه جاء مع شروط تعتمد على التمويل الخاص والبنوك التنموية متعددة الأطراف كآليات رئيسية. إن الدول الغنية تفتقر للموقف الأخلاقي للمطالبة بهذا بالنظر إلى أنها فشلت في الوفاء بالتزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية بين عامي 2020 و2025. وبدلاً من إعادة النظر في إخفاقاتها المتكررة، اختارت هذه الدول إلقاء اللوم على الآخرين معتمدة على سردية وتركيز جديدين. 

إن التمويل الخاص يحركه الربح وليس العدالة، حيث تعطى الأولوية لمشاريع التخفيف، التي توفر عوائد على الاستثمار، على حساب التكيف والخسائر والأضرار، التي تكون أقل ربحية ولكنها ضرورية للدول الهشة. كما أن التمويل الخاص أو الجهات الفاعلة الخاصة ليست جزءًا من عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) ولا توجد آلية للمساءلة يمكن تطبيقها عليهم. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يفرض تمويل البنوك التنموية متعددة الأطراف (MDB) أعباء ديون وإجراءات تقشفية، مما يزيد من التحديات الاقتصادية ويفرض على الدول دورات من الاتكالية. فمن 2019 إلى 2020، تم توفير ما يقدر بـ 80% من التمويل غير التفضيلي، بمعدل السوق ومن المحتمل أن يكون مثقلًا بالديون، عبر البنوك التنموية متعددة الأطراف.

الكلفة الخفية لمؤتمر الأطراف بالنسبة لدول الجنوب العالمي 

ويتجاوز الحيف طاولة المفاوضات، حيث أضحى الحضور في مؤتمر الأطراف (COP) أمرا مكلفًا للغاية بالنسبة للعديد من دول الجنوب العالمي. فقد أجبرت تكاليف السفر والإقامة والتدابير اللوجستية الدول على رفع ميزانيات محدودة من أجل تأمين المشاركة بشكل فعال، في حين تستطيع الدول الغنية بشكل فردي تحمل إرسال وفود بالمئات لمتابعة كل مادة تفاوضية. من جانب آخر، فإن الدول النامية، ولو بشكل جماعي ككتلة تفاوضية، لا تملك هذا الترف.

وفي هذا العام، قدمت العديد من الدول تضحيات لإرسال وفود أكبر، مدركة أن المخاطر كانت عالية جدًا ولاتحتمل تمثيلية ضعيفة. ومع ذلك، تم التلاعب بهذا الجهد، من خلال تمديد المفاوضات إلى ما بعد الجدول الزمني الرسمي، مما أرهق المندوبين واستنزف الموارد. واضطرت بعض الدول، غير القادرة على تحمل التكاليف الإضافية، إلى المغادرة قبل اتخاذ القرارات الحاسمة. ولم يكن هذا الاستبعاد عرضيا طارئا، بل كان استراتيجية مخطط لها لترسيخ السلطة في أيدي الدول الأكثر ثراءً.

تأثير التقييم العالمي الطوعي وطموحات المساهمات المحددة وطنيا ً (NDCs)

وتأتي هذه الفوارق في لحظة مفصلية للعمل المناخي العالمي. إذ إنه يتعين، بموجب اتفاقية باريس، على الدول تقديم مساهمات محددة وطنياً (NDCs) محينة وأكثر طموحاً بحلول فبراير. لكن الإخفاقات في مؤتمر الأطراف ترسل رسالة محبطة. فكيف يمكن للدول، التي تعاني بالفعل من التهميش والضغوط، أن ترفع طموحاتها عندما لا يوفر النظام أي دعم؟

غوض تعزيز الثقة والتعاون، وسعت مفاوضات الهدف الجماعي الكمي الجديد (NCQG) من الفجوة القائمة بين الطموح والعمل، حيث يتجاهل التمويل الخاص الاحتياجات الحقيقية للدول النامية، مما يترك التكيف والخسائر والأضرار دون تمويل كافٍ، وهذا من شأنه تقويض عملية التقييم العالمي الطوعي، التي من المفترض أن تكون آلية للمساءلة، لكنها بدلاً من ذلك تغذي الإحباط وخيبة الأمل.

اتحاد من أجل الصمود

وسط هذا الحيف يبرز مصدر أمل واحد يتجلى في التضامن. فعلى مدار الأسبوعين الماضيين، أظهرت المجتمعات المدنية ودول الجنوب العالمي اتحادا قل نظيره، حيث قاوموا معًا المخططات الرامية إلى التفرقة والهيمنة، وكشفوا تلاعبات الدول القوية ومصالح الوقود الأحفوري. ويجب أن يكون هذا التضامن أساسًا للنضال القادم.

ما يجب القيام به

  1. الوضوح بشأن القضية المطروحة: أزمة المناخ تتعلق بعدم المساواة والحيف. فالدول الغنية هي المسؤولة بشكل كبير عن أزمة المناخ، بينما الدول الفقيرة التي ساهمت بقدر أقل بكثير من التلوث هي الأكثر تضرراً. لذا، يجب أن يكون هذا هو الأساس لأي مفاوضات مع الاعتراف بوجود مذنبين وضحايا. كما يجب محاسبة الملوثين الأغنياء، لأن إرثهم الاستعماري ليس مجرد تاريخ قد مضى بل إن آثاره مستمرة على اقتصادات وبيئات الدول الفقيرة إلى اليوم، وإذا لم يتم معالجة هذا الإرث فإنه سيتواصل في المستقبل. كما يجب العمل على وقف نماذج التمويل المدفوعة بالربح، وإعطاء الأولوية للعدالة عوض الربح في تمويل المناخ. إن التمويل العام والمنح  -وليس التمويل الخاص المثقل بالديون – ضروريان لاتخاذ إجراءات ذات جدوى.
  2. الشفافية والنزاهة: يجب إصلاح عمليات مؤتمر الأطراف لمنع الاستبعاد المتعمد للدول النامية.
  3. تعزيز أصوات الجنوب العالمي والمجتمع المدني: يجب تقوية الاتحاد الذي تبلور في مؤتمر والعمل على تطوره ليتخذ شكل تحالفات أقوى لمواجهة هيمنة الدول الأكثر ثراءً.
  4. رفع طموحات المساهمات المحددة وطنياً: على الرغم من الإحباطات في مؤتمر الأطراف 29،  يجب على الدول المضي قدماً بتقديم أهداف عادلة وطموحة بشأن المساهمات المحددة وطنياً لضمان مستقبل العمل المناخي العالمي.
  5. تحميل المسؤولية للملوثين: يجب تحميل الدول الغنية وشركات الوقود الأحفوري المسؤولية المباشرة عن مساهماتهم في أزمة المناخ.

دعوة من أجل العمل

ما شهدناه في مؤتمر الأطراف 29  لم يكن مجرد فشل في المفاوضات،  بل كان فشلاً في تحقيق العدالة، في حين أن القوى الكبرى قد حققت انتصارًا قصير الأمد، بينما النضال لم ينته بعد. فمن قاعات بون إلى الحركات الشعبية في جميع أنحاء العالم، يستمر الكفاح من أجل العدالة المناخية.

ليس لدينا أي خيار آخر سوى الإصرار بعزم ومثابرة من أجل ملايين الأرواح المعرضة للخطر ومواصلة النضال من أجل مستقبل أطفالنا وبقاء كوكبنا. هذا النضال يتعلق بأكثر من مجرد تمويل المناخ،  إنه يضع تحقيق العدالة والمساواة والإنسانية كهدف أسمى. 

سوف نحول الإحباط الناتج عن مؤتمر الأطراف29 إلى حافز يغذي عزمنا ونقوي ارادتنا أمام تلاعبات الأقوياء. معًا، سنقاوم ومعًا، سننهض. هذا النضال لا يتعلق فقط بالمناخ، بل يهدف إلى تفكيك أنظمة الحرب والعسكرة والربح. ومعًا، سننتصر.


ا صفاء الجيوسي، مستشارة العدالة المناخية العالمية لدى أوكسفام