ملاحظات حول الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي
سحر مشمش،
أسدل كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الستار خلال لقاءاتهما السنوية في مراكش عن افاقهما وعن الاتجاه الذي ستتخذه سياساتهما في السنوات. فبعد سنوات من الانتقاد من طرف حكومات ومنظمات المجتمع المدني والحركات الشعبية، لم تتخلى هذه المؤسسات المالية الدولية عن تشبثها بالسياسات التقشف الفاشلة. بل، إنها أصرت على هذا النهج التقشفي للضغط على الحكومات لخفض كل من الانفاق والتحصيل الضريبي باستعمال عبارات أقل تقدمية بشكل لا يخدم لا مصالح البيئة ولا مجتمع الميم.
وإذا أخذنا كمثال مسودة البنك الدولي المتعلقة بالمساواة بين الجنسين لـ2024-2030، نجدها استمرارية للاستراتيجية السابقة مع تعديلات هامشية. وبشكل عام، فإن هذه الاستراتيجية دون التطلعات ولم تنجح في الاعتراف بدور التدابير التقشفية التي يوصي بها صندوق النقد الدولي وبالبنك الدولي في تعميق التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها النساء وباقي الفئات الهشة.
كما يتضح من هذه الاستراتيجية وجود تركيز على السياسات والمشاريع القائمة على الأدلة باعتبارها استمرارا لاستراتيجيية 2016-2023 التي تعتبر البيانات محركا للتغيير. إلا أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فشل البنك باستمرار في توفير وجمع بيانات حول مقاربة النوع سواء من خلال استعمال استبيانات أو تقارير تتعلق بالنوع والفقر. الوقت فقط سيخبرنا إن كانت الاسترتيجية الجديدة ستواصل هذا الفشل.
ويظهر تناقض آخر في النتيجة الرابعة والتي ترمي إلى ضمان الولوج إلى النقد وإلى ملكية الأصول والتي تعارض العديد من المشاريع التي يمولها البنك الدولي، خاصة فيما يتعلق ببرامج التحويلات النقدية كتعويض للدعم العام لأسعار المواد الغذائية والطاقة والماء. وقد عانت هذه الربامج- على شاكلة أمن في تونس وتكافل وكرامة في مصر وبرنامج تكافل في الأردن بالإضافة إلى برنامج تعزيز الحماية الاجتماعية في لبنان استجابة لجائحة كوفيد 19 – من استثناءات وأخطاء فادحة، حيث أنها غطت مثلا 12.5 بالمائة فقط من فقراء تونس و45 بالمائة من فقراء مصر وأقل من 50 بالمائة في لبنان. إن البرامج التي تروم الاستهداف، عوض الدعم الشامل الذي يستفيد منه معظم الفقراء، تحرم معظم الفقراء خاصة النساء من الاستفادة من التحويلات الاجتماعية.
إلا أن اعتراف البنك في خلاصته الخامسة بأهمية خدمات الرعاية أمر يستحق التنويه رغم أنه أتى متأخرا وبشكل يترك العديد من الثغرات، حيث يواصل البنك جهوده لخصخصة الخدمات الأساسية من خلال الإشارة إلى أن هذه الخدمات يمكن للقطاع الخاص تقديمها عوص الاعتماد على الحكومات والدعم العمومي لتقديمها لصالح الفقراء والمهمشين، بالرغم من أن سنوات من البحث أظهرت أن صعوبة الولوج وغلاء كلفة هذه الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص يضر بالعديد من الفئات الهشة ويعمق من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.
وقد فشل صندوق النقد الدولي من جهته في اقتراح أي تعديلات على سياسته رافضا أي نقاش حول فرض الضريبة على الثروة والرفع من الضريبة على الدخل على الأغنياء والشركات، في حين يزعم أن الحكومات في دول الجنوب العالمي يفتقرون للقدرات الإدارية لتحصيل الضرائب ومحاربة التهرب الضريبي. إلا أن السياسات الرامية إلى خفض اسعار الفائدة وتعزيز الانضباط للجهد الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية، لم تفشل فقط في الرفع الموارد الضريبية بل أدت إلى خفضها، مما ساهم في إضعاف قدرات الحكومات على أداء الديون المتراكمة وتمويل الخدمات العامة مثل الصحة والتعلييم واالاستثمار في برامج الحماية الاجتماعية الشاملة. علاوة على ذلك تمت الدعوة إلى تجميد التوظيف وتسقيف أجورهم بما فيهم موظفي ادارة الضرائب والتي سبق أن أشار صندوق النقد الدولي إلى عدم كفايتهم في دول مثل تونس.
وعوض التركيز على السياسات الضريبية التصاعدية والتي من شأنها التخفيف من وطأه الديون، فإن صندوق النقد الدولي يواصل السياسة الفاشلة “للضبط المالي”- بعبارة أخرى التقشف- ويضيف إليها سياسات هامشية مثل الادماج الرقمي وأمور تقنية أخرى.
إن مثل هذه المشاريع التي يقودها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لاتساهم في تحسين ـأوضاع الفئات المهمشة كما أنها بعيدة عن معالجة القضايا البنوية المتعلقة بالمفارقات الاقتصادية الناتجة عن التدابير التقشفية التي فرضت على معظم دول الجنوب العالمي.