MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

ثلاث قراءات في وثيقة “التزام إشبيلية”

إعداد إميليا رييس

في الأسابيع الأخيرة، خضعت وثيقة “التزام إشبيلية” لتحليل دقيق لفهم ما تقوله فعليًا بشأن الضرائب، والديون، والتجارة، والتمويل الخاص، والقضايا البنيوية، وغيرها من الملفات. وقيل لنا إن تأثيرها عظيم لدرجة أن مجرد وجودها أنقذ التعددية. لكن يبدو أن كل القوى الكونية في ديناميكياتنا الجيوسياسية الحالية مرتبطة في صفحاتها. وتنبع هذه القراءات المختلفة من مقاربات متعددة للنص.

القراءة الأولى هي القراءة الدقيقة، التي قادها المتخصصون التقنيون، حيث تم تحليل الفصول، والفقرات، والأفعال، لاستخلاص آخر قطرة من المعنى في النص. فهذه كانت محور المفاوضات التي حددت مضمون الاتفاق.  ويكشف لنا هذا المستوى عن المكاسب والخسائر الإجرائية. فبخصوص مسألة الديون على سبيل المثال: هل سنحصل على اتفاقية أممية بشأن ديون الدول السيادية؟ لا. هل سيكون هناك حوار حكومي دولي؟ نعم. وتنتهي القراءة الفنية عند هذا الحد. لقد شهدنا العديد من الحوارات الأممية حول طبيعة ودور وكالات التصنيف الائتماني لأكثر من عقد، لكنها لم تغيّر شيئًا من تأثيرها الضار على اقتصادات دول الجنوب العالمي. من جهة أخرى، يُقال لنا إنه بإمكاننا فعل الكثير بما هو متاح في النص. لكن هذه هي القراءة الثانية. لأنه في النهاية، مهما أكد المتخصصون أن تمويل التنمية يتعلق بالمشاركة الفنية والمطالب والمعرفة التقنية، فإن لذلك حدودًا واضحة. إن تقديم تقييم تقني لطموح تقني، رغم أهميته، لا يعالج التحدي الحقيقي على الأرض.

أما القراءة الثانية فتنظر إلى وثيقة “التزام إشبيلية” ككيان واحد. أين تقف في السياق العالمي الحالي؟ إنها تعكس صورة حزينة وموقفًا ضعيفًا، على أقل تقدير. ففي عالم ينتابه شبح أزمة ديون، وانهيار بيئي يهدد إمكانية استمرار الحياة كما نعرفها، ومستويات فاحشة من التفاوت، فإن القراءة المجهرية لا تقدم الكثير. نحن بحاجة إلى مواجهة الواقع القاسي. فحروب الرسوم الجمركية والعقوبات أصبحت مشهدًا يوميًا، والنواة الإمبريالية تواصل التلاعب بالاقتصاد بهدف إبادة شعوب كاملة عبر الإبادة الجماعية والبيئية. هل هذا أنقذ التعددية؟ بالطبع لا.

القراءة الثالثة تتناول الدور التاريخي والقدرات السياسية للوثيقة. لا شك أن النظام الاقتصادي الرأسمالي والديناميات الإمبريالية والاستعمارية الحالية تدمّر الحياة على كوكبنا. هذا هو الصراع بين رأس المال والحياة الذي تحذر منه الاقتصاديات النسويات، لكنه غالبًا ما يُستبعد من هذه النقاشات. ومع ذلك، فإن تمويل التنمية يمتلك بالفعل القدرة والمسؤولية التاريخية، كمنصة لا مثيل لها داخل الأمم المتحدة، لمعالجة التحديات الاقتصادية الكلية لعصرنا. إن المشاركة الفنية القوية والقراءة الدقيقة غير كافية لمواجهة التحديات العالمية الكبرى، لكنها يمكن أن توجه المسار.  لذا، وجب أن يكون التركيز السياسي  أساسا لدفع الطموح وتوضيح ما هو على المحك.

الخطوات التالية؟

يجب خوض المعارك الكبرى لإصلاح وتحويل الهيكل المالي الدولي لآن في الجمعية العامة للأمم المتحدة. علينا أن نكون مستعدين لذلك، بعزيمة للدفاع عن الكرامة والرفاه للناس والكوكب.