اختُتم مؤتمر المناخ COP30 بصورة تُبرز التناقض بين مستوى الطموح السياسي وغياب الإرادة لتنفيذ الالتزامات. شهدنا خلال المفاوضات تحركًا سريعًا في صياغة اللغة، بطيئة في مساءلة ا وصامتة تقريبًا فيما يتعلق بالتمويل. النتيجة كانت مؤتمرًا يحقق آلية تاريخية للعدالة، لكنه يقدم نتائج ضعيفة تترك المجتمعات الهشة مكشوفة. الفجوة بين الاعتراف بالحقوق وتوفير الموارد ما تزال واسعة.
تشكل آلية بيلم للعمل (BAM) الإنجاز الأبرز الذي ناضلت من أجله الحركات الاجتماعية. فقد دفعت النقابات العمالية، والشعوب الأصلية، والحركات النسوية، والشباب، والمجتمعات المتضررة قضية “الانتقال العادل” إلى قلب المفاوضات. هذا الضغط حوّل المفهوم إلى آلية رسمية. تتعامل BAM مع الانتقال العادل بوصفه تحوّلًا بنيويًا لا مجرد برنامج وظيفي أو خطاب سياسي، بل تحوّلًا بنيويًا كاملًا في النظم الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
BAM ليست أداة تمويلية. لن تجمع الأموال ولن توزّع المنح ولن تعالج فجوة التمويل الناتجة عن رفض الدول الغنية القيام بواجباتها. قوتها تكمن في مكان آخر. فبفضل مؤشرات واضحة وتكليفات محددة، تخلق BAM مساحة سياسية ومؤسسية يمكن مساءلة الحكومات فيها. إنها أداة للمطالبة بالتنفيذ، وليست هدية من الحكومات، بل ثمرة نضالات امتدت لسنوات.
يقف هذا الإنجاز على النقيض من الفشل في ملف التمويل. فقد كان التمويل ساحة المعركة ومقبرة الطموح في آن واحد. الدول التي طالبت سابقًا بالتزامات قانونية بموجب المادة 9.1 انتهت إلى نص يقوم على “جهود جماعية” و”مسارات طوعية”. وتم إضعاف الشفافية المنصوص عليها في المادة 9.5، وهي الأداة الوحيدة التي تكشف من يدفع ومن يتهرب. أما الهدف الكمي الجديد للتمويل (NCQG) فجاء رقمًا بلا خطة تنفيذ. طموح بلا تنفيذ، ومسؤولية بلا التزام.
التكيّف ما يزال بلا تمويل كاف. فقد جرى إضعاف مسؤولية الدول المتقدمة في توفير تمويل التكيف، وتم ترحيل خطة مضاعفة التمويل إلى عام 2035، وهو موعد يتجاوز قدرة الدول المتضررة على الاحتمال. ولا يوجد أي ذكر للهدف العالمي للتكيف. هذا القرار يترك المجتمعات في الجنوب العالمي أمام مخاطر متفاقمة بلا دعم.
أما الخسائر والأضرار فما تزال صندوقًا بلا مساهمين. دخلت العديد من الدول المؤتمر على أمل التزام حقيقي بزيادة التمويل العام، لكن هذا الأمل اصطدم بجدار الرفض السياسي. الرسالة واضحة. الاعتراف بالضرر موجود، لكن الاستعداد لدفع تكلفة هذا الضرر غائب. وهذا يتناقض مع الرأي الأخير لمحكمة العدل الدولية الذي أكد حق المجتمعات المتضررة في التعويض. COP30 تجاهل هذه الحقيقة القانونية.
الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري ذُكر لكنه لم يُلزَم. لا يوجد تفويض، ولا جدول زمني، ولا التزام بتمويل عام للانتقال. هذه ثغرة كبيرة، فالوقود الأحفوري هو السبب الأساسي لأزمة المناخ. بدون تمويل حقيقي للانتقال للطاقة المتجددة، فتظل العدالة خارج المتناول. يمنح اعتماد BAM العمال والمجتمعات أداة لتشكيل هذا الانتقال، لكن غياب التمويل يوقف أي تحول بنيوي قبل أن يبدأ.
كما أكد COP30 اتجاهًا مقلقًا: استمرار النفوذ المتزايد للبنوك التنموية متعددة الأطراف (MDBs). فهذه البنوك أعادت تكرار تعهدها في COP29 بزيادة تمويل المناخ ثلاثة أضعاف، وأشار النص النهائي إلى “الدور الحاسم” الذي تلعبه. لكن هذا التمويل يفتقر إلى الشفافية والمساءلة. 73% منه قروض. العديد من البنوك ما تزال تموّل الوقود الأحفوري بشكل مباشر أو غير مباشر، وبعضها زاد تمويله للغاز في السنوات الأخيرة. وهذا يثير الشك حول مصداقيتها ويقوّض التزامها باتفاق باريس.
الدول الغنية تواصل الاختباء خلف البنوك التنموية لتجنب دفع حصتها العادلة. بينما يمكن لتلك الدول جمع 6.6 تريليون دولار سنويًا عبر فرض ضرائب على الأثرياء، وإنهاء الدعم الأحفوري، وجعل الملوثين يدفعون. بدلاً من ذلك، تروّج للقروض والتمويل المختلط والتمويل الخاص. هذه الأدوات تنقل تكلفة الأزمة المناخية إلى الدول المثقلة بالديون، وتوسع فجوة عدم المساواة، وتعمق نماذج الاستخراج.
يتجلى هذا النمط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل واضح. فالمنطقة ترتفع حرارتها بمعدل ضعف المتوسط العالمي. وتنفق دولها على سداد الديون أكثر مما تنفق على الصحة والتعليم والتكيف. وتفرض برامج التقشف حدودًا حادة على الميزانيات ، مما يدفع الحكومات للاعتماد على قروض مكلفة لتمويل سياسات المناخ. بينما يظل الاعتماد على الوقود الأحفوري قائمًا لأن الانتقال العادل يتطلب تمويلًا عامًا غير متاح. المجتمعات تواجه الأزمة بلا حماية، وتتحمل تكلفة أزمة لم تتسبب فيها. بدون إصلاح هيكلي للمنظومة المالية الدولية، لن تتمكن أي دولة في المنطقة من تحقيق العدالة المناخية.
يتطلب الانتقال العادل في المنطقة منحًا لا قروضًا. ويتطلب تمويلًا عامًا طويل الأمد للطاقة المتجددة، والحماية الاجتماعية، ودعم العمال، وأنظمة الطاقة المملوكة للمجتمعات. البنوك التنموية غير مستعدة لهذا الدور. فهي تعتمد على أدوات دين، وحوكمتها غير عادلة، وتؤثر سياساتها على الخدمات العامة عبر فرض التقشف. وحتى تكون قادرة على دعم الانتقال العادل، يجب أن تنهي تمويل الوقود الأحفوري، وتدمقرط الحوكمة، وتعتمد سياسات قائمة على الحقوق.
تمنح BAM إطارًا لدفع هذا التحول. يمكنها إدخال منظور قائم على الحقوق في سياسات المناخ، وتركيز دور العمال، وتعزيز حقوق الشعوب الأصلية، ودعم المساواة بين الجنسين، وقياس الانتقال وفقًا للعدالة والإنصاف وحقوق الإنسان والتنمية. سيتعيّن على المجتمع المدني أن يدافع عن مشاركته في هذه الآلية وأن يضمن ألا تتحول إلى مساحة مغلقة، وأن تُحسم الأسئلة الجوهرية حول من يصوغ BAM ومن يستفيد، ومن يدفع، ومن يُحاسَب
شهدنا لحظات قوة في COP30. العمال الذين تعاملوا مع الحريق الحقيقي. المسيرات الشعبية في شوارع بيلم. الحركات النسوية، والشباب، والشعوب الأصلية الذين دافعوا عن العدالة. هذه الأصوات حملت طموحًا أكبر، وأظهرت كيف تقود الحركات حين تتعثر الحكومات.
تدخل حركة مينافيم المرحلة المقبلة بوضوح. سنواصل الضغط من أجل تمويل عام بشروط عادلة، وإنهاء تمويل الوقود الأحفوري، وحماية المدافعين، ومساءلة الملوثين، وإصلاح النظام المالي الدولي بطريقة تضع الناس قبل الأرباح.
COP30 قدّم آلية لكنه لم يقدم عدالة. المهمة المقبلة هي تحويل BAM إلى قوة سياسية حقيقية تضمن الحقوق، وتحمي المجتمعات، وتغير مسار العمل المناخي.
.العدالة أصبحت تفويضًا. ومهمتنا الآن أن تصبح واقعاً