MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

النساء بين الحرب والحصار والعنف الجنسي في غزة وفي مرافق الاحتجاز الإسرائيلية

تعيش النساء الغزّيات واقعاً بالغ القسوة، إذ يقعن تحت عنف ممنهج تزايدت حدّته بشكل هائل خلال الحرب الإباديّة التي تشنّها إسرائيل، والتي لا تلوح لها نهاية، في ظل غياب أي تدخل أممي فعّال. وقد أعلن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مؤخراً عن امتلاكه عدداً من الإفادات لنساء غزّيات اعتُقلن في سجون الاحتلال، كشفن فيها عمّا تعرّضن له من انتهاكات جنسية جسيمة، شملت الاغتصاب، والتحرش، والتفتيش العاري، والألفاظ البذيئة، والتهديد بالاغتصاب. وتجدر الإشارة إلى أن توثيق هذا النوع من الانتهاكات في سياق النزاعات المسلحة لا يتعلق بحالات فردية فقط، بل يدل على استخدام العنف الجنسي كسلاح للترهيب والسيطرة، وهو ما يُعدّ جريمة حرب وفق القانون الدولي ويستوجب تحقيقاً دولياً مستقلاً، خصوصاً مع غياب الإرادة السياسية لدى المؤسسات الأممية القائمة.
وعلى مدى عامين، استهدف القصف “الإسرائيلي” مرافق الرعاية الصحية الإنجابية في القطاع، بما في ذلك أجنحة الولادة وعيادة التلقيح الصناعي الرئيسة، مما فاقم أوضاع النساء الحوامل—اللواتي يقدّر عددهن بستين ألفاً—وجعل نصفهن على الأقل يصنفن ضمن حالات الحمل عالي الخطورة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. ويُظهر هذا الاستهداف الممنهج للبنى الصحية، ولا سيما تلك المرتبطة بالصحة الإنجابية، محاولة لإضعاف قدرة المجتمع على التعافي، باعتبار النساء في قلب عملية الحفاظ على استمرارية الحياة اليومية.
إلى جانب ذلك، يعاني القطاع من نقص حاد في المياه، كما يعاني 100% من السكان من انعدام الأمن الغذائي. وفي خضم هذا الواقع المأساوي، تواجه 13,901 امرأة فلسطينية فقدن أزواجهن نتيجة حرب الإبادة أعباء إعالة أسرهن وحدهن، بين أنقاض المنازل وفي خيام هشّة لا تقوى على مواجهة الأمطار وموجات البرد. وتزداد هذه الأعباء ثقلاً مع تدهور الظروف الاقتصادية إذ ترتفع أسعار الغذاء إلى أربعة أضعاف حتى في ظل وقف إطلاق النار—الذي يُخرق مراراً وتكراراً وعلى مرأى العالم وصمته—ما يجعل تأمين الغذاء أمراً شبه مستحيل للنساء اللواتي لا مصدر دخل لهن. وتُعد سياسة التجويع هذه إحدى أدوات الإبادة البنيوية الهادفة إلى تفكيك النسيج الاجتماعي، حيث تتحمل النساء العبء الأكبر بحكم مسؤوليات الرعاية داخل الأسر.
وفي سياق متصل، أكدت سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن أزمة غزة هي في جوهرها أزمة حماية للنساء؛ فمن بين 1.9 مليون نازح، هناك قرابة مليون امرأة يبحثن عن ملجأ آمن، في حين لا وجود للأمان داخل غزة. وتنعكس هذه المخاطر على قرارات النزوح: توقيته، وطريقه، والوجهة المختارة، بالنظر إلى التهديدات التي قد تتعرض لها النساء. ولا تقتصر الهشاشة على الطرق ذاتها، بل تمتد إلى غياب آليات حماية ورصد فعّالة للنساء، ما يجعلهن أكثر عرضة للمضايقات والانتهاكات خلال التنقل وفي أماكن الإيواء.
إن هذا الواقع الأليم الذي نعاينه جميعاً—ولا يسع المقام للخوض في تفاصيله الكثيرة—لا يمكن فهمه بمعزل عمّا يلي:
أولاً: إن أوضاع غزة اليوم لا تنفصل عن المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي تحوّل من اقتصاد “الاحتلال” إلى اقتصاد “الإبادة الجماعية”. فكل ما يحدث ليس عشوائياً، بل يخدم مشروعاً مربحاً لعدة كيانات، وخاصة شركات تصنيع الأسلحة وشركات التكنولوجيا. كما تحوّلت غزة إلى “مختبر” لابتكار واختبار أدوات عسكرية ورقابية يتم تسويقها لاحقاً على مستوى عالمي.
ثانياً: تقودنا أحداث غزة إلى استنتاج نهاية النظام الدولي الذي نشأ عقب الحرب العالمية الثانية، ويتجلى ذلك في التآكل العميق للثقة في المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. ويكشف العجز الدولي عن أزمة شرعية غير مسبوقة، حيث يصبح تطبيق القانون الدولي مرهوناً بموازين القوى لا بمبادئ العدالة.
ثالثاً: الشعوب العربية ليست جزءاً من السياسات التطبيعية لأنظمتها. أما ضعف الغضب الشعبي في دول الجنوب مقارنة بدول الشمال، فليس تقاعساً، وإنما نتيجة للإنهاك الاقتصادي والاجتماعي والقمع العنيف الذي جعل الواقع اليومي للمواطن واقعا مريراً لا يُحتمل. وهذا الشعور بالعجز والإرهاق يطغى أحياناً على إلحاح القضية الفلسطينية. ولا يتحمل المواطنون مسؤولية ذلك، بل تتحملها سياسات التقشف المفروضة من المؤسسات التمويلية الكبرى الخاضعة للنظام النيوليبرالي الإمبريالي، والتي تُضعف سيادة الدول. ورغم كل ذلك، فقد أظهرت موجات التضامن الرقمي والمبادرات الشبابية الصغيرة أن الوعي بالقضية لم يهزم، بل أُثقل فقط بوطأة الأزمات المتكررة.