في قلب الأمازون، كان الناس يطلقون على مؤتمر كوب٣٠ أسماء كثيرة: “مؤتمر الحقيقة”، “مؤتمر السكان الأصليين“، “مؤتمر الغابات.” لكن ما لم يسموه أبدًا كان “مؤتمر البين قوسين” — ذلك الشيء الذي لن يتغيير أبداً: نقول، يسمعون، ثم يتجاهلون… مرة أخرى!
الغابات (كاد) كان لديها لحظة
هذا العام، جربت رئاسة مؤتمر كوب٣٠ شيئاً جديداً: جمعت مواضيع لم تتناول رسميا في أجندات كوب السابقة وجمعتها في اتفاقية واحدة. ولأن كل مؤتمر يحتاج إلى نتيجة مُسماة تُدرج في النص، أصبح لدينا الآن “الموتيراو العالمي”:اتفاقية توحيد البشرية في تعبئة عالمية ضد تغير المناخ. جمعت هذه الوثيقة قضايا غالبا ما تهمش – الغابات، أنظمة الغذاء، المرونة المجتمعية – ومنحتها مكانا على طاولة النقاش. على الأقل، في البداية.
في المسودة الأولى كان لدينا طموح في ذكر كلمة “الغابات” بين أقواس، كخيار، ورغم ذلك احتفلنا بهذا المكسب. لكن في النص النهائي، تراجع الخطاب الجريء حول إزالة الغابات، إذ جاءت معظم الإشارات بين أقواس أو كخيارات التي انتهى الأمر بإزالتها.
فعلى سبيل المثال، اقتراح الفقرة 35 (الخيار 2) من مسودة الرئاسة بتاريخ 18 نوفمبر 2025 عقد مائدة مستديرة وزارية رفيعة المستوى لدعم “خرائط طريق الانتقال الوطنية، بما في ذلك… تدريجيا التغلب على الاعتماد على الوقود الأحفوري ووقف وعكس إزالة الغابات”. تم وضع هذا النص بين قوسين (مع خيار ثالث “لا نص”)، وفي النهاية لم يتم الاتفاق على خارطة طريق إزالة الغابات – حيث نجح الخيار الثالث (إلغاء النص)، وتم تخفيف هذا الخيار أيضا في المفاوضات. وقد تم تمييع هذه اللغة خلال المفاوضات لاحقًا.
بحلول النص النهائي، اختفت جميع التوجيهات التشغيلية الصريحة لوقف أو عكس إزالة الغابات، ولم يبق سوى المرجع التمهيدي الوحيد المذكور أعلاه. حقيقة أن هذه الكلمات وضعت بين اقواس في المسودة تبرز أن بعض الأطراف قاومت إلتزاماً قوياً بإزالة الغابات، مما أدى إلى تخفيف العناصر.
حتى في أماكن أخرى، كانت الغابات مجرد هامش
خارج اتفاق “الموتيراو”، لم يكن وضع الغابات أفضل بكثير.مشكلة إزالة الغابات تظهر بشكل عابر فقط في أماكن أخرى من قرارات كوب٣٠. ففي مخرجات برنامج شرم الشيخ للتخفيف (قرار آخر “متعلق بتسريع خفض الانبعاثات)، يلاحظ الاطراف “التحديات في معالجة دوافع إزالة الغابات وتدهورها، مع الأخذ في الاعتبار الحاجة إلى الإنتباه للسعي نحو التنمية المستدامة والأمن الغذائي.”
هذا النص الأخير (غير مدرج بين قوسين) يعترف بفقدان الغابات فقط كتحد أو مقايضة – مصطنح بملاحظات حول التنمية والأمن الغذائي – ويدرجه إلى جانب مخاطر مناخية أخرى (حرائق الغابات، يالجفاف، الآفات) التي يجب إدارتها عبر “إدارة غابات مستدامة”. والأهم من ذلك، أنه لا يدعو إلى “إيقاف” أو “عكس” إزالة الغابات على الإطلاق، بل يعترف فقط بصعوبة التعامل مع دوافعه. وتؤكد هذه الصياغة الحذرة أن مؤتمر كوب٣٠ تجنب أي لغة مُلزمة لوقف إزالة الغابات، مراعيًا مصالح الدول ذات أولويات الزراعية و مصالح استخدام الأراضي.
عكس من دون توقف؟ ثغرة خطيرة
ومن الجدير بالذكر أنه طوال نصوص كوب٣٠ لم يظهر مصطلح “عكس إزالة الغابات” دون كلمة “وقف”. فالهدفان يأتيان دائمًا مقترنين كهدف واحد: “وقف وعكس إزالة الغابات”. لم نجد أي حالة على “عكس إزالة الغابات“ قائمة وحدها في لغة القرار. يشير هذا الاقتران إلى نية معالجة كل من وقف فقدان الغابات المستمر (التوقف) واستعادة الغابات (العكس) معا، تماشيا مع الهدف المعتمد على نطاق واسع لعام 2030.
ومع ذلك، كما نوقش، يمكن تفسير تفسير عبارة “توقف وعكس الأشجار بحلول عام 2030“، خاصة في سياق غير ملزم، على أنه يسمح بتوازن بين استمرار إزالة الغابات وتعويض إعادة التشجير. عملياً، قد تتمكن الدول من تحقيق “صافي عكس” بحلول 2030 دون التزام بأي وقف فوري لإزالة الغابات.
يشير النقاد إلى أن غياب الإلتزامات قصيرة المدى يجعل تعهّد الغابات في مؤتمر كوب٣٠ رمزيًا إلى حد كبير: “لا يوفر خريطة ولا مسارًا لنهاية إزالة الغابات بحلول 2030”،متجنبًا أي إجراء ق للمحاسبة، تاركًا حماية الغابات لمبادرات طوعية ووعود مستقبلية بدلا من إجراءات ملموسة ومسؤولة.
المال يتكلم… لكن ليس لصالح الغابات
بينما تهرب مؤتمر كوب٣٠ من الإلتزامات الملزمة،إلا أنه فشل أيضًا في مواجهة الخلل المالي في قلب معالجة إزالة الغابات. بين 2022 و2024، بلغ التمويل العام لحماية الغابات 5.7 مليارات دولار فقط، بينما تواصل الحكومات ضخ أكثر من 409 مليار دولار سنويًا في دعم الزراعة—وكثير منها مرتبط مباشرة بإزالة الغابات والزراعة الصناعية. هذا الفارق يكشف الأولويات الحقيقية وراء الأقواس.
أما “صندوق الغابات الاستوائية الأبدي” الذي روّج له الرئيس البرازيلي لولا باعتباره آلية رائدة، فلا يزال طوعيًا، يفتقر إلى الشفافية في الصرف،و لا يزال غير مرتبط بأي آلية تنفيذ داخل نص مؤتمر كوب٣٠. بدون ضمانات واضحة، قد تتحول مثل هذه المبادرات إلى واجهة خضراء تخفي إستمرار الأعمال كالمعتاد.
طالما جادلت المجموعات النسوية والسكان الأصليين بأن تمويل الغابات يجب أن يدعم المسؤولية القائمة على الحقوق والمجتمع القائم على الحقوق، وليس برامج تعويضية أو برامج يقودها المانحون. لكن المؤتمر استبعد هذه الأصوات من الأنظمة المالية.
انعقد مؤتمر كوب٣٠ في رئتي الأرض. لكن قراراته تركت الغابات تلهث.. طالما أن أجندة المناخ تعامل الغابات كدفاتر كربونية، بدلاً من الأراضي الحية التي تدافع عنها النساء والشعوب الأصلية، سيظل التمويل أداة تأخير وليس عدالة.
ذُكرت الغابات؛ لكن لم تُدافع عنها. سُمّيت الفرصة؛ ثم وُضعت بين أقواس؛ ثم مُسحت. الغابات، كما كانت. لكن هذه المرة شاهدنا اختفاءها لحظة بلحظة.