النساء بين ثنائية هيمنة السلاح والديون – بيان حركة مينافيم الختامي لحملة ال16 يوم
سلّطت حملتنا “من مناطق النزاع إلى فخاخ الديون” خلال الأسابيع الماضية الضوء على أشكال العنف التي تتجاوز حدود الحرب المباشرة، وتعيد إنتاج نفسها في زمن يُقدَّم بوصفه زمن الاستقرار. انطلقت الحملة من قناعة نسوية واضحة وهي أن العنف يمثل آلية لإعادة تشكيل الحياة عبر التحكم في الموارد، وفي شروط النجاة، وفي الأدوار الاجتماعية التي تُسند للنساء كمكوّن بنيوي لا كاختيار فردي.
على مدار الحملة، ظهرت غزة والسودان بوصفهما موقعين تتجسّد فيهما أشدّ أشكال العنف علانية: الإبادة، التهجير، انهيار البنى التحتية للحياة، والعنف الجنسي بوصفه ممارسة سيادية تُخضع الجسد وتعيد ترتيب الجماعة، فتُنتج واقعًا يمزج بين تدمير البنية الاجتماعية واستنزاف النساء بوصفهن العمود الأخير للحياة اليومية. كذلك، كشفت الحملة كيف يتحول ما يبدو كسياسات اقتصادية محايدة إلى منظومة لإدارة الندرة وتوزيعها بشكل غير عادل، حيث ترتفع كلفة العيش، وتتفكك شبكات الحماية، وتتراجع القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية، ويتضخم عبء العمل غير المدفوع داخل البيوت. وفي كل هذا، تتحمل النساء الكلفة الأكبر، ليس بوصفهن فقط الأكثر هشاشة بطبيعة الحال، لكن كذلك لأن الواقع السياسي والاقتصادي يُعاد تشكيله على نحو يجعل أجسادهن ووقتهن وعملهن غير المدفوع حلقة تعويض مستمرة لما فشلت الدول في تقديمه.
خلال ورقة الخلفية التي أصدرناها خلال الحملة بعنوان “ورقة خلفية: قبضة صندوق النقد والبنك الدوليين على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وحلقة الويبينار بالأمس حاولنا طرح أن الديون الثقيلة، وشروط المؤسسات المالية الدولية، وسياسات التقشّف لا تعمل كأدوات تقنية لإدارة الاقتصاد، ولكن يتم استخدامها لضبط المجال الاجتماعي وتحديد من تُتاح له الحماية، ومن يتم دفعه إلى حدود الهشاشة. فبالتزامن مع توجيه موازنات الدول نحو خدمة الدين بدلًا من الرعاية، فإنه يتم بالتوالي تفكك شبكات الحماية وتوزيع مخاطر الحياة على الأسر والمجتمعات، ورفع الأسعار وتراجع الخدمات العامة حيث تآكل خدمات الرعاية الصحية، وتراجع الأمن الغذائي، وبالتبعية إعادة إنتاج طبقات متراكمة من العنف البنيوي، يتحمل أثرها الأكبر النساء، ذلك نتاج البنية الاجتماعية للعمل والرعاية التي تجعل أجسادهن ووقتهن مساحة يُعالج عبرها النظام أزماته.
وتوضح الحملة أن هذا الشكل من العنف الاقتصادي البنيوي، ليس منفصلًا عن العنف العسكري، بل يقع في استمراريته، فحين تتوقف الحرب، تظل آثارها الاقتصادية تُدار بالأدوات المالية نفسها التي تُعيد إنتاج اللامساواة. وهكذا يتحول العنف من السيطرة على الجسد إلى السيطرة على شروط العيش وأبسط سبل الحياة الكريمة.
إن مقاومة العنف ضد النساء في المنطقة تتطلب تفكيك البُنى التي تنتجه، لا فقط أشكاله الظاهرة. وهذا يشمل مساءلة دور المؤسسات المالية الدولية في تشكيل السياسات الوطنية، وفحص علاقات القوة التي تحكم توزيع الموارد، وإعادة الاعتبار لاقتصاد الرعاية بوصفه مكوّنًا أساسيًا للعدالة، لا ملحقًا اختياريًا لموازنات منهكة.
تؤكد حركة مينافيم في ختام هذه الحملة، أن العنف البنيوي ليس واقعًا حتميًا، وأن تفكيك الاقتصاد السياسي للعنف، من مناطق النزاع إلى موازنات الدولة، هو خطوة مركزية في بناء مستقبل حيث يتم إعادة صياغة الحياة بعيدًا عن الندرة المصنوعة، وتُعاد فيه للنساء القدرة على العيش ضمن شروط عادلة وآمنة وكريمة.