MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

تأملات نسوية حول اجتماعات الربيع لعام 2025: لا بكاء على نظام يحتضر

by Tara Povey, Bretton Woods Project

 

خيم شبح الأزمة المتفاقمة في النظام العالمي متعدد الأطراف على الاجتماعات الربيعية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا العام، حيث وصف الاقتصادي التونسي فاضل قبوب، في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية، هذه الاجتماعات كـ”محاولة إرجاع الروح في شخص يحتضر”.

 

وفي هذا الصدد، من المهم شرح ماهية هذا النظام متعدد الأطراف، الذي وصفه والدن بيلو، على سبيل المثال،  بـ”الأممية الليبرالية” باعتباره مشروعا “يرمي إلى جعل العالم آمنا لرأس المال الأمريكي من خلال إبراز القوة العسكرية والسياسية الأمريكية والتجارة الحرة”. ويتعرض هذا التصور لهجوم من إدارة ترامب اليمينية المتطرفة والانعزالية والحمائية التي أعلنت نيتها في استهداف المؤسسات التي ساعدت في بروز القوة الأمريكية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويتعلق الأمر بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ردا على ذلك، سارعت إدارة المؤسستين للتعبير عن انسياقها مع بعض من جوانب أجندة ترامب، حيث إن الجندر والمناخ خارج اهتمامات صندوق النقد الدولي، كما اتضح من عدم ذكرهما خلال مقدمة اجتماع الإدارة العامة.  من جانب آخر، يعتقد رئيس البنك الدولي أجاي بانغا بأن دور مؤسسته يرتكز على “دعم مشهد اقتصادي عالمي مشجع على استثمارات القطاع الخاص”. وفي غضون اسبوع، أعلنت الولايات المتحدة نيتها في البقاء كمساهم في كلتا المؤسستين، بالرغم من ورود تصريحات لوزير الخزانة سكوت بيسنت تدعو كلا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى التوقف عن توسيع نطاق مهامهما، مشيرا إلى الجندر والمناخ والقضايا الاجتماعية، وهو مطلب نال قبول المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، قائلة أن الصندوق يفتقر لخبراء في المناخ. 

 

وقد عبرت دول جنوب الكرة الأرضية عن استيائها من مستوى الرقابة الذاتية التي يعاني منها كل من الصندوق والبنك، حتى قبل انعقاد الاجتماعات الربيعية. وبالفعل، فقد قوضت مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي) والهيكل المالي الدولي من قدرة دول الجنوب العالمي على تحقيق التحول الاقتصادي الذي من شأنه أن يمكنها من الهروب من دورات الديون، الناجمة في جزء كبير منها عن صدمات خارجية. فمنذ عام 2022، استفاد الدائنون الأجانب من القطاع الخاص  من ما يناهز 141 مليار دولار من مدفوعات خدمة الديون من المقترضين من القطاع العام في الاقتصادات النامية، في حين أنفق هؤلاء المقرضون أقل بكثير على التمويلات الجديدة، ويأتي هذا في سياق مهم بالنظر إلى الطلب المتنامي على التقنيات المرتبطة بالتحول الأخضر الذي يتبع نموذجا استخراجيا. 

 

وركزت النقشات في منظمات المجتمع المدني إلى حد كبير على قضايا الديون في عام اليوبيل الحاسم، والأضرار المستمرة لسياسات التقشف، واحتمال أن تواجه العديد من البلدان تدهورا اقتصاديا مما سيؤدي بدوره إلى تعميق أزمة الديون التي أصبحت هيكلية في الطريقة التي يشتغل بها الاقتصاد العالمي. وبالنظر إلى منتديات المجتمع المدني،  كانت الاجتماعات الربيعية صامتة، حيث لم يتمكن العديد من الزملاء من المشاركة بسبب قضايا التأشيرات والسلامة، في حين كان البرنامج الرسمي أقل نشاطا. ومع ذلك، كانت هناك نقاط بارزة، من بينها الأحداث الجانبية والاجتماعات الاستراتيجية حول الديون والتقشف والمؤتمر الرابع  المزمع حول تمويل التنمية (FFD4)، إضافة إلى العديد من الناقشات حول كيفية تعامل النسويات والمدافعين عن حقوق الإنسان مع الواقع الجيوسياسي الجديد. 

 

وقد عبرت النسويات عن نقد منهجي للنظام العالمي باعتباره قائما على النظام الأبوي العنصري والمغاير جنسيا والرأسمالي. فإذا فكرنا في التقشف، الذي يصفه ديفيد هارفي، بـ”التراكم عن طريق نزع الملكية” ونظرنا إلى جذوره التاريخية وروابطه مع هذه الأنظمة، يمكننا أن نرى أن إدارة ترامب هي استمرار وتكثيف لمشروع لطالما كان أساسيا لاستمرار هيمنة الولايات المتحدة والشمال العالمي، ومن خلالها مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي). وكما أوردت كيت أرونوف، فإن هذا من شأنه أن يكثف الدعوات لتحدي هيمنة الولايات المتحدة على الهيكل المالي الدولي ودور مؤسسات بريتون وودز، حيث يتيح التوزيع غير المتكافئ لسلطة المساهمين استمرار هيمنة المصالح الاقتصادية والسياسية لدول الشمال. 

 

لذلك من الأهمية بمكان ألا يتراجع المجتمع المدني عن انتقاداته المنهجية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، أو يسعى إلى الدفاع عن نهجهما تجاه المساواة الجندرية، وهو ما عبرنا عن خلافات جوهرية بشأنه. إن إصرار المجتمع المدني سيقودنا إلى تعزيز التحليل البنيوي النسوي  بشأن الديون والتقشف، والانخراط في المرافعة التي تبني تحالفات تسعى إلى الحد من سلطة صندوق النقد الدولي في سن سياسات ضارة، وعلى رأسها المشروطية.  

 

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى ما كتبه الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي حين قال “العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يكافح من أجل الولادة. الآن وقت الوحوش “. وكنسويات، مهمتنا لا تتمثل في دعم الهياكل التي تستمر في سلب حقوق وكرامة وحرية الملايير من الأفراد، بل تتجلى في تعزيز قدرتنا الجماعية على مقاومة كل من الوحوش والنظام الذي يولدها. ونظرا لأن مشاكل العالم الملحة تتطلب تعاونا متعدد الأطراف، فإن هذا يعني تركيز استراتيجيتنا على المساحات المتعددة الأطراف مثل المؤتمر الرابع المقبل حول تمويل التنمية باعتباره فضاء للعمل من أجل تحقيق نظام جديد.

 

 

تارا بوقي هي مسؤولة مشروع المساواة في النوع الاجتماعي والاقتصاد الكلي في مشروع بريتون وودز