سراب المساواة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقي
ضرورة إنهاء استعمار البنى الاقتصادية من أجل تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدام
بينما نحتفل باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس/آذار 2024، دعونا نفكر في التقدم الذي أحرزناه أو -لم نفعل- نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة سنة 2015 في إطار خطة الأمم المتحدة 2030. من الجدير بالذكر أن الهدف الخامس من هذه الأهداف ، والذي يطمح إلى تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات، يبرز بشكل خاص. ومن المؤسف أن التقدم كان بطيئا، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنه من الواضح أن تحقيق هذه الأهداف، بما في ذلك الهدف الخامس، سيستغرق وقتا طويلا، وربما يمتد لعقود من الزمن، على الرغم من أن خطة 2030 تلوح في الأفق بعد أقل من ست سنوات من الآن.
إن عجز العالم عن تحقيق هذه الأهداف ينبع من محاولة تفعيل التحول السوسيو-اقتصادي ضمن نظام عالمي لا يزال يحكمه اقتصادي يعود إلى الحقبة الاستعمارية. ويعمل هذا النظام على مبادئ هرمية، استخراجية، مسيئة وغير متكافئة، يستفيد منها في المقام الأول الشمال العالمي على حساب الجنوب العالمي من العالم.
في جوهر الأمر، يعتمد تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة، وخاصة الهدف الخامس، على الحاجة الملحة لإنهاء استعمار الهيكل الاقتصادي العالمي، والذي يتضمن تحويل الهيكل المالي، وأنظمة التجارة والاستثمار الدوليين، والنظام الضريبي الدولي. وبدون معالجة هذه القضايا الأساسية، فإن تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات لن يظل سوى وهم عابر.
تجسد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بتراثها الثقافي الغني ومجتمعاتها المتنوعة، تعقيدات التوجه نحو المساواة بين الجنسين داخل هذا الهيكل الاقتصادي الاستعماري. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز حقوق المرأة ومشاركتها في مختلف جوانب المجتمع، لا تزال هناك تحديات كبيرة. وتضرب هذه التحديات بجذورها العميقة في التفاوتات البنيوية التي تديمها الموروثات التاريخية والأنظمة الأبوية.
التقدم الذي أحرزته منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تحقيق الهدف 5 من أهداف التنمية المستدامة
وفي حين تم إحراز بعض التقدم في مجالات معينة، مثل التعليم والمشاركة في القوى العاملة، فإن الواقع هو أن النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زلن يواجهن العديد من العوائق التي تحول دون المساواة. وتتجلى هذه الحواجز في أشكال مختلفة، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الفرص الاقتصادية، والتمييز القانوني، والأعراف الثقافية، والعنف المستمر القائم على النوع الاجتماعي. وتعاني 61.5% من النساء في اليمن من فقر الدم، فيما تعاني واحدة من كل ثلاث نساء عربيات من فقر الدم بسبب سوء التغذية.
ووفقا لمنظمة العمل الدولية، فإن البطالة بين النساء في المنطقة العربية أعلى بثلاث مرات من المتوسط العالمي، حيث تبلغ 15.6%. تعد مشاركة المرأة العربية في القوى العاملة هي الأدنى في العالم حيث تبلغ 18.4% مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 48%. علاوة على ذلك، تشغل النساء 11% فقط من المناصب الإدارية في المنطقة العربية مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 27.1%. بالإضافة إلى ذلك، تقضي المرأة العربية ما يقرب من خمس مرات، ساعات أكثر في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر مقارنة بالرجال في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن الصراعات المستمرة وعدم الاستقرار في العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة تؤدي إلى تفاقم محنة النساء، مما يتركهن متأثرات بشكل غير متناسب بالنزوح والفقر وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية. وفي المناطق المتضررة من النزاع، غالباً ما تتحمل النساء وطأة الأزمة، إلا أن أصواتهن واحتياجاتهن كثيراً ما يتم تهميشها في عمليات صنع القرار. تعيق خلفية الصراع هذا التعاون الإقليمي الحاسم واللازم لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وحتى لو توقفت الصراعات على الفور، فإن الأساليب التقليدية لن تكفي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول سنة 2030، ولهذا السبب نحتاج إلى تحول كامل في النموذج التنموي.
ومن أجل تعزيز المساواة بين الجنسين بشكل حقيقي في المنطقة، لا بد من بذل جهود متضافرة لتفكيك الحواجز الهيكلية التي تعيق تمكين المرأة. ولا يتطلب ذلك إجراء إصلاحات تشريعية وتدخلات سياسية فحسب، بل يتطلب أيضًا تحولًا أساسيًا في النموذج الاقتصادي نحو نموذج شامل ومنصف وعادل ومتحرر من الاستعمار.
كما أن تمكين المرأة ليس ضرورة أخلاقية فحسب، بل هو ضرورة استراتيجية أيضا. حيث تساهم المرأة بشكل كبير في النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي والاستدامة البيئية. ومن هنا فإن الاستثمار في تعليم المرأة والرعايتها الصحية وولوجها للفرص الاقتصادية، يعد أمرًا ضروريًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء مجتمعات أكثر مرونة وشمولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي يمكنها إطلاق العنان لإمكاناتها الكاملة من أجل مستقبل أكثر عدلاً وازدهارًا للجميع.
كما ان تراكم واثقال كاهل بلدان المنطقة بالديون الخارجية الضخمة، تقلل من قدرتها على التحكم في السياسات المالية وتقلص من مساحة الاستثمارات الاستراتيجية المطلوبة لتحقيق أولويات التنمية، فيصبح من المستحيل تحقيق أي هدف من أهداف التنمية المستدامة. أو بعبارة أخرى، تصبح معالجة أزمة الديون الخارجية شرطا أساسيا لتحقيق هذه أهداف. ومع ذلك، فإن الدين الخارجي هو نتاج ثلاثة أفخاخ استعمارية هيكلية: العجز الغذائي، والعجز الطاقي، والعجز الصناعي.
وبحسب الإسكوا، تستورد الدول العربية 50% من السعرات الحرارية التي تستهلكها. وتستورد المنطقة 63% من القمح المستهلك، وتستورد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أكثر من 90% من احتياجاتها. تبلغ قيمة الواردات الغذائية السنوية في المنطقة العربية 110 مليارات دولار.
وباستثناء البلدان الغنية بالنفط في المنطقة العربية، تعتمد معظم البلدان بشكل كبير على واردات الطاقة على الرغم من امتلاكها إمكانات هائلة للطاقة المتجددة. ووفقاً للإسكوا، تستورد دول مثل المغرب والأردن ولبنان أكثر من 90% من احتياجاتها من الطاقة، ويصل دعم الطاقة إلى 10 مليار دولار سنوياً في مصر والجزائر، ونحو 30 مليار دولار في المملكة العربية السعودية.
وعندما يتعلق الأمر بالنشاط الصناعي، فإن المنطقة العربية تظل في قاع سلسلة القيمة العالمية بقاعدة صناعية تستورد التكنولوجيا، والمكونات الوسيطة، والوقود لتشغيل مصانعها، بل وحتى مواد التعبئة والتغليف. والنتيجة هي انخفاض القيمة المضافة للصادرات مقارنة بمحتوى القيمة المضافة المرتفعة لواردات المنطقة.
ويعمل هذا العجز البنيوي الثلاثي على إضعاف العملات العربية في مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي يجعل واردات المنطقة من الإمدادات الحيوية أكثر تكلفة، وبالتالي تضطر الحكومات العربية إلى دعم وارداتها من الغذاء والوقود واقتراض المزيد من الدولارات لتثبيت استقرار عملاتها. وهذا الاقتراض المفرط هو الذي يلغي القدرة المالية التي تشتد الحاجة إليها للاستثمار في الأولويات الاستراتيجية التي تسمح للمنطقة بتحقيق الهدف الخامس وبقية الاهداف الاخرى.
لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يجب على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنهاء استعمار بنيتها الاقتصادية من خلال إعطاء الأولوية للتعاون الإقليمي للاستثمارات الاستراتيجية في السيادة الغذائية والزراعة الإيكولوجية، والاستثمار في الطاقة المتجددة، والسياسات الصناعية الإقليمية التي تستفيد من تكامل موارد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقدراتها للتركيز على التصنيع ذو القيمة المضافة العالية. ويتعين على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً أن تعمل على تعزيز تعاونها الاستراتيجي مع بلدان الجنوب العالمية الأخرى التي يمكنها استكمال وتسريع نشر هذه السياسات التحويلية. عندها فقط سوف تتاح لنا الفرصة لتحقيق النتائج المطلوبة فيما يتعلق بجميع أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك الهدف الخامس.