MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

مؤتمر الأطراف 28: تقاطع العدالة المناخية وحقوق الإنسان 

Shereen Talat (MENA Fem), Iolanda Fresnillo and Leia Achampong (Eurodad)

يعتبر مؤتمر الأطراف 28 المعني بتغير المناخ  والذي انطلقت أشغاله في 30 نوفمبر 2023 في دولة الإمارات، حدثًا مهما لمستقبل كوكبنا وشعوبنا، خصوصا شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكون هذه المنطقة تعد واحدة من مناطق العالم الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية وأزمة الديون شأنها في ذلك شأن باقي البلدان الأخرى عبر العالم. وجدير بالذكر أن ثنائية أزمة المناخ وثقل المديونية تسهم في تفاقم الظروف المعيشية، كما تؤثر سلبا على النظم البيئية وعلى أداء اقتصادات بلدان بأكملها في الكثير من الأحيان.

 

وفي هذا الصدد، يمكن القول أن دولة الإمارات لا يمكنها انجاح المؤتمر الا من خلال تسهيل التوصل إلى اتفاق بين البلدان للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري؛ وإعطاء الأولوية للطاقة المتجددة، إلى جانب تدابير استخدام الطاقة؛ وأخذ حقوق الإنسان على محمل الجد؛ وإحراز تقدم نحو تحديد هدف قوي جديد لتمويل مناخي عالمي بحلول سنة 2024 وإعطاء الأولوية للمنح المالية عوض القروض، مع الاخد بعين الاعتبار مواصلة الاستفادة من طرق التمويل الحالية.

وبدلا من ذلك، يبدو أن دولة الإمارات قد فتحت الباب حتى الآن لتحويل محادثات المناخ إلى “منتدى للحديث” لجماعات الضغط في صناعة الوقود الأحفوري والدفع بحلول الغسل الأخضر الكاذبة. وهذا لا يحفظ اتفاق باريس فحسب، بل يضع البشرية والكوكب في خطر تغير المناخي وانتهاكات حقوق الإنسان، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة بين البلدان وداخلها.

 

وبينما ننتقل إلى الأسبوع الأخير من جدول الأعمال الرسمي لمؤتمر الأطراف – وهو الأسبوع الذي يتضمن الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان – فإننا ننظر في كيفية وصولنا إلى هذه النقطة وما إذا كان مؤتمر الأطراف هذا لا يزال قادرًا على تقديم العمل المطلوب و احتياجات العالم.

الفشل في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري

أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في مؤتمر الأطراف لهذه السنة هو اختيار دولة الإمارات العربية المتحدة كمضيف، وذلك لكونها دولة لا تلتزم بشكل كامل بمعالجة تغير المناخ كما انها قد فشلت في الالتزام بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة بشكل غير متناسب للفرد في دولة الإمارات العربية المتحدة تتجاوز تلك الموجودة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مجتمعة، ولا تزال تشكل تحدياً بيئياً كبيراً، وعلى الرغم من استثماراتها في الطاقة المتجددة، إلا أن اعتماد البلاد الكبير على الوقود الأحفوري أثار باستمرار تساؤلات حول التزامها بمعالجة تغير المناخ والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. كما اعتبر الكثيرون تعيين سلطان الجابر، رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، رئيسًا لمؤتمر الأطراف 28، بمثابة تناقض صارخ مع الأهداف الأساسية لمؤتمر الأطراف.

علاوة على ذلك، يثير حضور حوالي 2400 جماعة ضغط نشيطة في مجال الوقود الأحفوري في مؤتمر COP28 عدة تساؤلات حول دور هذه الجماعات في المفاوضات القائمة حول أزمة المناخ. ورغم الكشف عن قائمة هذه الجماعات أثناء عملية التسجيل لحضور المؤتمر المذكور، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة حول تأثير مثل هذه الإجراءات والجهود المرتبطة بالحد من تأثير استخدام الوقود الأحفوري على قرارات المؤتمر؛ لذلك فإن هذه القضية تتطلب اتخاذ تدابير إضافية لضمان التمثيل العادل والمحايد في مؤتمر الأطراف والعمل على عدم استخدام مثل هذه المؤتمرات لخدمة الأجندات المرتبطة بالغسيل الأخضر.

مخاوف منظمات المجتمع المدني

علاوة على ذلك، أعربت منظمات المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم عن قلقها العميق بشأن سجل الإمارات العربية المتحدة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات كما ان مثل هذه القيود تعيق قدرة منظمات المجتمع المدني والناشطين على التعبير بحرية عن آرائهم والمشاركة في مناقشات مؤتمر الأطراف28.

تمويل المناخ مقابل عبء الديون المستمر

لا تزال الديون تمثل أولوية قصوى بالنسبة لشعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى سداد الديون المعيقة، تضطر دول مثل مصر وتونس والأردن إلى دفع رسوم إضافية لصندوق النقد الدولي مقابل قروضها، المعروفة باسم “الفوائد الإضافية”. وفي حين أن الحاجة إلى تشطيب الديون وآليات تسويتها العادلة وإلغاء الفوائد الإضافية التي يفرضها صندوق النقد الدولي، ليست جزءا من مفاوضات مؤتمر الأطراف 28، فإنها تؤثر بشدة على قدرة البلدان على معالجة حالة الطوارئ المناخية; واستنادا الى تقرير المنظمة الدولية لتمويل التنمية برسم سنة 2023، “سيكون الإنفاق على خدمة الديون أعلى بمقدار 12.5 مرة من الإنفاق على التكيف مع المناخ, وستكون أعلى بـ 13.2 مرة في سنة 2024″ .

وبدلا من مناقشة الحاجة إلى الإلغاء الشامل وغير المشروط للديون، ركز مؤتمر الأطراف 28 حتى الآن على الاهتمام  بالحلول الزائفة والجزئية مثل مقايضة الديون. وكما أظهر تقرير يوروداد مؤخراً، فمن غير المرجح أن توفر مقايضة الديون بالمناخ أموالاً كبيرة لمعالجة التحديات المناخية والبيئية، ولن تعالج مشاكل الديون المتفاقمة في الجنوب العالمي، وعادة ما تأتي مصحوبة بقضايا إشكالية تتعلق بالحوكمة والشفافية. وفي الوقت نفسه، تم تقديم أكثر من 70% من التمويل العام للمناخ بين سنة 2016 و2021 على شكل قروض، مما زاد من مستويات الديون غير المستدامة وهذا يخلق حلقة مفرغة بين الديون وحالات الطوارئ المناخية.

تأثير أزمة الديون والمناخ على حقوق الإنسان

و من جهة اخرى، تضعف هذه الحلقة المفرغة  قدرة الحكومات على حماية حقوق شعوبها، مما يؤدي إلى ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، من قبيل التقشف في توفير خدمات عمومية أساسية وحماية اجتماعية كافية، مما يؤثر سلبا على العدالة  بين الجنسين. وفي هذا الصدد تجدر الاشارة الى  ان فئات النساء والفتيات والأقليات الجنسانية لا تتاثر فقط  بآثار أزمة الديون والضرائب وسياسات التقشف، وانما ايضا تتحمل عبئا أكبر من آثار تغير المناخ والدمار البيئي. وبهذا المعنى، فإن تغير المناخ وأزمة الديون يعمقان عدم المساواة بين الجنسين. وعلى الرغم من هذه التأثيرات، فإن التدفقات المالية المتعلقة بالمناخ “تستبعد إلى حد كبير النساء والفتيات ونساء السكان الأصليين والإثنيات والمجتمعات غير المرتبطة بالجنس والنساء ذوات الإعاقة“، اللاتي يتأثرن بشكل متقاوت بتغير المناخ وبالتالي يحتاجن إلى قدر أكبر من الوصول إلى تمويل المناخ.

الاعباء التي يفرضها القطاع الخاص 

كما أطلقت رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة صندوقاً جديداً للطاقة المتجددة بقيمة 30 مليار دولار أمريكي لصالح الاقتصادات النامية والناشئة، والذي تبلغ قيمته حالياً حوالي 6.5 مليار دولار أمريكي. إنه تعاون مع BlackRock وBrookfield وTPG والهدف هو “حشد 250 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم بحلول عام 2030”. ومع ذلك، فهو إلى حد كبير وسيلة للتمويل الخاص والتمويل المختلط وقد تعرض بالفعل لانتقادات من قبل المجتمع المدني. إن افتقار الصندوق إلى المنح والتمويل الميسر للغاية، يهدد بكونه آلية تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، وتشجع على المزيد من مواصلة أمولة ودعم تدفقات تمويل المناخ وهذا ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الديون.

وتدعو منظمات المجتمع المدني إلى أن تتماشى حوكمة الصندوق مع مبادئ اتفاق باريس وأن يقوم الصندوق بدمج آليات المنح والتمويل الميسر أيضًا

صندوق الخسائر والأضرار، وهو أحد النتائج الرئيسية لمؤتمر الأطراف 28، حتى الآن كان الجزء الرئيسي من حزمة المؤتمر التي تم الإعلان عنها في اليوم الأول هو الاتفاق على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار لدعم البلدان في معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ. من المفروض الآن ملء الصندوق، الذي سيستضيفه البنك الدولي – على الأقل خلال السنوات الأربعة الأولى – بتمويل عام جديد وإضافي لحل ازمة المناخ، وأن يتم صرفه في هيئة منح. ومن المؤسف أن المساهمات من بلدان الشمال العالمي تظل طوعية، ولم تصل التعهدات حتى الآن إلا إلى 655.9 مليون دولار أمريكي ــ أي ما يعادل أقل من 0.2% من الخسائر الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تواجهها بلدان الجنوب العالمي كل سنة. وهذه التعهدات أقل بكثير من احتياجات التمويل المحددة لمعالجة الخسائر والأضرار المستمرة، لكي يكون صندوق التعلم والتطوير فعالاً، يجب أن يتمكن جميع المحتاجين من الوصول إليه وأن يكونوا جزءًا من عمليات صنع القرار وتنفيذ المشروع. ويشمل ذلك الفتيات والنساء ونساء الشعوب الأصلية والعرقيات والأقليات الجندرية.

ما الذي لا يزال من الممكن القيام به خلال مؤتمر الأطراف 28؟

تطالب منظمات المجتمع المدني وخبراء التنمية والمناخ بإلغاء الديون من أجل العدالة المناخية، وقد دعوا أيضًا إلى تمويل مناخي جديد وإضافي خالٍ من الديون لدعم الدول الضعيفة للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، وكذلك لمعالجة آثار الخسائر والأضرار، وهذا لا يمكن ان يتحقق الى من خلال الانتقال إلى اقتصادات صافية صفرية. كما ان المساهمة في تمويل المناخ في الجنوب العالمي هي مسؤولية والتزام منصوص عليه في نص اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وباعتبارها الدول الأكثر مسؤولية عن تغير المناخ، وبموجب مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة والقدرات الخاصة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (CBDR-RC)، وفي هذا السياق فان دول الشمال العالمية يجب عليها زيادة التدفقات التمويلية العامة نحو دول الجنوب العالمية، كما يتعين عليهم المراعية للمنظور الجنساني نحو بلدان جنوب العالم في هذه العملية، مما يضمن إعطاء الأولوية للنساء المهمشات ويشمل ذلك صرف المنح للمنظمات التي تقودها النساء في المجتمعات المحلية.

وفي السعي لتحقيق مستقبل مستدام، من الضروري أن يسترشد مؤتمر الاطراف المعني بتغير المناخ (COP28) بالمبادئ الثابتة لحقوق الإنسان والمساواة والعدالة المناخية. والآن، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن تكون هذه المبادئ في طليعة جهودنا الجماعية، لتكون بمثابة البوصلة التي توجهنا نحو حلول هادفة وشاملة.