بيليم تبدأ اليوم: هل يكون COP30 بداية تصحيح المسار أم إعادة إنتاج للأزمة؟
اليوم يبدأ مؤتمر المناخ COP30 في بيليم، على أعتاب غابات الأمازون، وفي لحظة يشعر فيها العالم أن الوقت السياسي والزمني يكاد ينفذ. يدخل المجتمع المدني إلى هذا المؤتمر بروح مزدوجة: مرارة باكو التي ما زالت حاضرة في الذاكرة، وإصرار على أن بيليم قد تكون اللحظة التي يبدأ فيها العالم أخيراً في بناء مسار عادل يواجه الأزمة المناخية من جذورها.
بينما يتجه العالم إلى بيليم، يحمل المجتمع المدني شعوراً ثقيلاً بأن لحظة باكو لا يمكن أن تتكرر. ما حدث هناك كان كشفاً لحدود النظام الدولي أكثر مما كان مؤتمراً للحلول. خرج العالم من “مؤتمر التمويل” برقم لا يغطي سوى 6% من الاحتياجات الحقيقية، فيما استمرت الشركات الكبرى في التأثير على المفاوضات بحضور غير مسبوق. انسحابات وفود الدول الأكثر هشاشة، وانتقادات من الهند، وبيانات قوية من 335 منظمة مجتمع مدني كلها عبّرت عن حقيقة واحدة: العالم لم يشهد تقدماً يتناسب مع حجم الأزمة.
وفي قلب ذلك، حاولت الحركات النسوية أن تحافظ على مساحات ضيقة للجندر داخل قرارات المؤتمر. صحيح أن برنامج ليما للجندر تم تمديده، لكن كل محاولة لاعتبار النساء بتنوعهن أو إدراج قضايا العنف والرعاية داخل السياسات المناخية واجهت مقاومة شديدة. حتى الاعتراف بعمل الرعاية غير المدفوع داخل نص الانتقال العادل لم يتم اعتماده. كانت الصورة واضحة: النساء موجودات في القاعات، لكن حضورهن في صياغة القرار ما زال رمزياً.
ومع ذلك، تصل الحركات النسوية، العمال، الشباب، والشعوب الأصلية إلى بيليم بأفق مختلف. انعقاد المؤتمر في دولة لديها تاريخ أعمق في المشاركة المجتمعية، وفي قلب الأمازون الذي يمثل خط الدفاع الأول عن المناخ العالمي، يفتح مساحة سياسية جديدة. والأهم أن COP30 يأتي بعد عشر سنوات من اتفاق باريس، في لحظة تُظهر بوضوح أن العالم على مسار يتجاوز 1.5 درجة ويتجه نحو مستقبل أكثر خطراً على الحياة والحقوق.
في هذا السياق، تبدو “آلية بيليم للعمل” أو BAM أكثر من مقترح تقني. هي محاولة حقيقية لتأسيس بنية عالمية للانتقال العادل، تجعل العمل المناخي متسقاً مع حقوق الإنسان والعدالة الجندرية والاقتصادية. الآلية تقترح تنسيقاً عالمياً واضحاً، دعماً غير مرهق للدول والمجتمعات، تمويلاً عاماً يبتعد عن الديون، مركز معرفة تقوده المجتمعات نفسها، وحوكمة تشاركية تمنح النساء والمجتمع المدني والعمال والشعوب الأصلية والشباب مقاعد فعلية في اتخاذ القرار.
إصرار المجتمع المدني على أن تكون هذه الآلية نسوية ليس مسألة رمزية، بل ضرورة. فالأزمة المناخية تضرب النساء أولاً؛ التمويل لا يصل إليهن، الخطط الوطنية تتجاهل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والرعاية التي تحمل عبء الصدمات المناخية تبقى غير مرئية رغم أنها أساس الصمود. الآلية النسوية لبيليم تعني الاعتراف بالرعاية كبنية تحتية، تمويل مباشر للمنظمات النسائية، إدماج قضايا الحماية والعنف، ومساءلة الفاعلين الأقوياء ونقل الموارد والسلطة نحو الخطوط الأمامية.
ما كشفه COP29 هو أن القوة وحدها لن تحمي الحياة؛ الناس والحركات الاجتماعية هم الذين يفعلون ذلك. وفي بيليم، يدخل المجتمع المدني بمطلب واضح: انتقال عادل فعلي، مساءلة حقيقية، وعدالة جندرية في قلب كل قرار. وبينما يضيق الوقت، يبقى الأمل قائماً بأن تكون بيليم بداية تصحيح المسار لا استكمالاً لانحرافه.