تأملات نسوية حول الاجتماعات السنوية لعام 2025 لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي: زمن الثورة (أو التطور) – من يقود؟
فيانا أرباب، ناشطة ومنظِمة نسوية عابرة للحدود من أصل بنغلاديشي مسلم أمريكي.
نواصل مشاهدة تسارع وتيرة التفاوت الطبقي: فقد ارتفعت ثروة المليارديرات بثلاثة أضعاف سرعة ارتفاعها في عام 2023، ومن المتوقع أن يظهر خمسة “تريليارديرات” خلال عقد واحد. وفي المقابل، لم يتغير عدد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر منذ عام 1990 إلا قليلًا. بل إن البنك الدولي أشار إلى أن الفقر المدقع عالميًا قد ازداد خلال جائحة كوفيد-19، ورغم أن المعدلات عادت الآن إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، فإن وتيرة الحد من الفقر العالمي تباطأت إلى حد شبه التوقف خلال العقد الأخير، بسبب سلسلة من الأزمات المترابطة. ونعلم أن الفئات المهمشة جندريًا، وعلى رأسها النساء والفتيات، لا سيما المنتميات إلى جماعات مهمشة عرقيًا وإثنيًا، هن الأكثر تضررًا من هذه الأزمات. وتترجم هذه الأضرار إلى أشكال متعددة: أزمة الرعاية؛ زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ وعندما تُقلّص الحكومات الإنفاق على الخدمات العامة مثل الصحة والحماية الاجتماعية، أي التقشف. وتشير البيانات بالفعل إلى حدوثه بمعدلات مقلقة، حيث تكون النساء والفتيات أول المتضررات. تستمر هذه الأشكال من العنف البنيوي بفعل النظام الاقتصادي الحالي، والمدعوم بهيكل الحوكمة المالية الدولية، الذي تمكّنه إلى حد كبير المؤسسات المالية الدولية، بما يضمن بقاء النساء عاجزات عن التنفس.
في ساحة المنتدى الرابع لتمويل التنمية التابع للأمم المتحدة، سعت المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى طرح روايات مقنعة حول دورهما في تحقيق ما يُسمى بالتحول من المليارات إلى التريليونات، وهو ما وصفه كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إندرمِت غِـل، بأنه وهمًا، إلى جانب وعود بالإصلاح في ظل فشل هذه المؤسسات في تحقيق أهداف التنمية العالمية. غير أن هذه المؤسسات تتجاهل خطأها التاريخي والجوهري، إذ إنها صُمّمت وفق مبادئ استعمارية، ولا تزال في جوهرها مؤسسات استعمارية حتى اليوم. وبينما يقدم التوافق في إشبيلية، وهو في جوهره تسوية مجتزأة، بعض المظاهر السطحية للتمويل القائم على المساواة والحقوق، فإن استمرار الولايات المتحدة، في ظل رئاسة ترامب، في امتلاك الحصة التصويتية الأكبر داخل هذه المؤسسات ينذر بسياسات مدمّرة مثل التقشف وخصخصة الخدمات الأساسية، التي يُتوقع أن تحظى بدعم أكبر داخل البنك وصندوق النقد خلال السنوات الأربع القادمة. إن الاعتماد على هذه المؤسسات لتحقيق التنمية بينما تظل أسسها الفكرية كما هي، إنما يفاقم تسميم البنية المالية الدولية. في الوقت ذاته، يعيش 3.3 مليار إنسان في بلدان تنفق على خدمة ديونها أكثر مما تنفق على التعليم والصحة، كما شهدت البلدان الأشد انعدامًا للأمن الغذائي أعلى نسب زيادة. ومن المتوقع أن تستهلك خدمة الدين 55% من ميزانيات الدول منخفضة الدخل في إفريقيا جنوب الصحراء بحلول عام 2025. وبينما تضطر الدول إلى اتخاذ قرارات تمويلية صعبة من أجل التنمية، تتجه على نحو متزايد إلى إنفاق الأموال العامة الشحيحة على التسلح، فقد ارتفعت النفقات العسكرية بمقدار 1.5 تريليون دولار عام 2024، بينما تراجع التمويل العالمي للمساواة الجندرية والسلام بنسبة 7%.
وفي هذا السياق، قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، في كلمتها الافتتاحية خلال الاجتماعات السنوية لعام 2025، إن الاقتصاد العالمي يتعامل مع الوضع “بشكل أفضل مما كنا نخشى، ولكن أسوأ مما نحتاج“. وبحسبها، فإن “المرونة الاقتصادية التي شهدناها هذا العام” تعود إلى “السياسات الجيدة”، وقدرة القطاع الخاص على التكيّف، وتجنّب اندلاع حرب تجارية شاملة، وتحسّن الأوضاع المالية. غير أن هذا الانحراف الإدراكي المتواصل يسمح للصندوق وللحكومات التي يستشيرها بتجاهل الآثار المدمّرة لوصفاته السياسية المهيمنة على الاقتصادات المتعثّرة، والاستمرار في فرض ضرائب رجعية لتمويل الخدمات العامة، مع خنق الاستثمارات العامة. وفي الوقت ذاته، يقدّم الصندوق حلولًا شكلية مثل الحد الأدنى للإنفاق الاجتماعي، فشجع الصندوق الدول بعن كل دولار تنفقه الدول على السلع العامة، ألزمها بتقليص أربعة أضعاف هذا المبلغ من خلال إجراءات التقشف. كما شدّد الصندوق على ضرورة رفع إنتاجية القطاع الخاص بوصفها شرطًا لـ”النمو المستدام”.
أما البنك الدولي، فقد تبنّى الأجندة ذاتها تقريبًا، مركزًا على أجندة الوظائف خلال الاجتماعات السنوية الأخيرة. وقد حذّر الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC) من استمرار البنك في الدفع نحو إلغاء تنظيم معايير العمل عبر تقريره الرئيسي الجديد B-Ready – وهو في الواقع نسخة متنكرة من تقرير سهولة ممارسة الأعمال الشهير والمثير للجدل. لا يتضمن التقرير أي تحليل جندري، ولا تحليل لعدم المساواة، حتى مع إدخال مؤشر جديد حول الرؤية المؤسسية للمساواة، ولا يتعلق أي معيار بحقوق العمال في التنظيم أو تكوين النقابات أو التجمع، رغم وجود معايير دولية واضحة بشأن الأعمال وحقوق الإنسان. والمفارقة الأكبر أن التقرير صنّف كولومبيا ضمن أفضل عشر اقتصادات من حيث الإطار التنظيمي والخدمات العامة، بينما تُعد كولومبيا الدولة الأخطر في العالم على حياة النقابيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وبينما تلتهم خدمة الديون، بما فيها الديون الاستعمارية وغير المشروعة، الحيّز المالي للدول، تواصل المؤسسات المالية الدولية حثّ بلدان الجنوب العالمي على “الدفع للعب” في سوق الأغنياء، من أجل وظائف لن تغيّر حياة الجماهير، لأنها لا تضمن عملًا لائقًا ولا أجورًا كافية
لا يتحقق التحول الحقيقي إلا بالقدرة على مواكبة اللحظة والاعتراف بمن هو الأقدر على قيادتها. فمن غير المقبول أن تواصل هذه المؤسسات المالية الدولية الادعاء بأنها منابر التعاون المالي والاقتصادي العالمي، بينما تمكّن في الوقت ذاته القوى الجشعة. وفي المقابل، لا يكتسب النظام المتعدد الأطراف قيمته إلا بقدر ما يسمح بإقامة أطر تحررية تحقق أهداف التنمية البشرية. لذا من الضروري دعم وتمكين الفئات الأكثر تضررًا من الأنماط الاقتصادية والاجتماعية الحالية، عبر الضرائب التصاعدية، وإنهاء التقشف، وإلغاء الديون، ومواجهة خصخصة الخدمات الأساسية للحياة، وتمويل الحركات النسوية، لتقودنا نحو المستقبل الأفضل الذي نحلم به جميعًا. لا يمكن تحقيق التنمية من خلال التمويل والمؤشرات وحدها، بمعزل عن ظروف المعيشة الفعلية. علينا أن نتبع الأصوات الأجرأ والأكثر إبداعًا وفرحًا وعمقًا في مجتمعاتنا العالمية، بحثًا عن حلول ثورية.