MENA Fem Movement for Economical, Development and Ecological Justice

تأملات نسوية #٣ حول كوب٣٠: كم مرة علينا أن ندفع ثمن أزمة المناخ؟

بقلم: نوران المرسافي, مديرة البرامج في Friedrich Ebert Stiftung MENA

كانت الدورة الثلاثون لمؤتمر الأطراف إحباط آخر في مسار تحقيق العدالة المناخية النسوية. “مؤتمر الحقيقة” فشل أن يكون حقيقاً بأي شكل. وبصراحة، لم يقدّم أي من الحكومات أو المؤسسات المشاركة إجابة عن السؤال الملّح و هو: إلى متى ستظلّ المجتمعات الواقفة في الخطوط الأمامية تتحمّل كلفة أزمة المناخ؟

تم الترويج للمؤتمر على أنه “مؤتمر الشعوب الأصلية”، وقد عُقد في مدينة بليم، بوابة الأمازون. لكن تحت هذا الخطاب الشكلي عن الشمولية، ظهرت بنية فشل عميقة تُظهر كيف تُعيد آليات التمويل المناخي إنتاج العلاقات الاستعمارية الاستخراجية،وكيف تُعرقَل مقاربة العدالة المناخية النسوية على جميع المستويات.

عدّ المدفوعات

الثمن الأول الذي دفعناه كانت آلية مالية زائفة تعيد إنتاج دورة جديدة من الديون تحت مسمى مرفق الغابات الاستوائية إلي الأبد. وقد قُدمت بلغة “ابتكار مالي” تستعمل مصطلحات مثل سندات الغابات، دفعات الحفظ، وعوائد المستثمرين. لكن حقيقتها أظهرت اعتمادًا على منطق دائري للاستخراج. يهدف المرفق إلى تعبئة مئة وخمسة وعشرين مليار دولار، منها خمسة وعشرون مليارًا من الحكومات والجهات الخيرية كرأس مال ثانوي، تُستخدم لرفع مئة مليار أخرى من القطاع الخاص.1 وسيُستثمر هذا التمويل المُجمَّع أساسًا في سندات الأسواق الناشئة والسندات السيادية، على أن تُخصص عوائد الفوائد لتمويل مدفوعات حفظ الغابات بما يقارب أربعة مليارات دولار سنويًا.2

التناقض الجوهري هو أن الأموال تُستثمر في أصول الدول النامية، بما في ذلك السندات التي تصدرها دول مضطرة لرفع الفوائد لجذب المستثمرين.3 وهكذا تتحمل الدول الغنية بالغابات ديونًا حتى تُصدر أدوات مالية، بينما تُستعمل الفوائد المدفوعة على هذه الديون في تمويل جهود الحفظ التي تقوم بها هي نفسها. أما المجتمعات المحلية—وغالبًا النساء—اللائي يقمن بالعمل الفعلي في حماية الغابات، فقد  أصبحن الأساس غير المرئي لأداة مالية مضاربية. وقد جرى تحويل قيمة عملهن إلى قيمة مالية، بينما ظلّ هيكل القوة الأساسي المتمثل في الزراعة الصناعية والوقود الأحفوري وأنماط الاستهلاك خارج دائرة المساءلة تمامًا. يطرح ذلك تناقضًا جوهريًا: هل يمكن لآلية تستفيد من الديون وتستمد قيمتها من عمل رعاية غير مدفوع الأجر أن تحقق عدالة، أم أنها تكتفي بتحويل الأزمة إلى سلعة؟

ثانيًا، الثمن الجغرافي. ففي اجتماعات بون التمهيدية، تحدّث ممثلو الشعوب الأصلية عن إنشاء منطقة مسيّجة بإدارة وزارة الشعوب الأصلية. ظننا الأمر نكتة: لماذا نسيّج الشعوب الأصلية ونحن نزعم أننا نحضر من أجلهم؟ لكن ليلة التاسع عشر تغيّر ذلك عندما زرت قرية المؤتمر الخاصة بالشعوب الأصلية، التي بدت كأحد أشكال الاحتواء المُقنّن، أقرب إلى مخيم للاجئين. ولولا أن صديقًا دلّني عليها عندما كنت أتساءل بغضب: “أين أصوات الشعوب الأصلية في القاعات والممرات؟” لما عرفت عن مكانها. وقد طُرد الجميع عند العاشرة ليلًا لأن القرية تغلق. كانت هذه المنطقة الواقعة على الهامش، خلف سياج ومع حظر تجول، تصميمًا مقصودًا لضمان المشاركة دون قوة. أما المنطقة الزرقاء، حيث تُصاغ النصوص، فكانت مركز القرار. بينما تحوّلت القرية إلى عرض مُنظم “للأصالة” تُشاهد وتُصوَّر، ثم تُترك عندما تبدأ القرارات الحقيقية في مكان آخر.4 ومن بين أكثر من ثلاثة آلاف شخص من الشعوب الأصلية في بليم، حصل ثلاثمئة وستون فقط على تصاريح دخول للمنطقة الزرقاء، مقابل ألف وستمئة مندوب من قطاع الوقود الأحفوري.5 فما معنى المشاركة عندما تُصمّم بوصفها فصلًا وتحييدًا؟ لقد أجابت الجغرافيا: وجودك مرغوب كرمز، لكن يجب تحييده كقوة سياسية.

الثمن المدفوع الثالث كانت جسدية. فقد تقرّر تنظيم مظاهرة عند مدخل المنطقة الزرقاء برسالة واضحة: “لا لفرض آليات وصاية دولية، وإدانة جماعية لعجز الهيئات الدولية عن وقف الإبادة والحرب والحصار والاستخراج العسكري.” لكن السلطات ردّت بإنشاء مناطق محظورة جديدة لمنع أي نشاط. وحين أبلغناهم بأن أفرادًا من الشعوب الأصلية سيشاركون للتأكيد على وحدة النضال، أعادوا رسم الحدود لمنع أي فعل أو صوت.

ولم يكن ذلك الموقف هو الأول من نوعه. ففي أول يوم جمعة من مؤتمر الأطراف الثلاثين، أغلق نحو مئة محتجّ من شعب الموندوروكو المدخل الرئيسي للمنطقة الزرقاء لمدة تسعين دقيقة، مطالبين بلقاء الرئيس لولا وبوقف المشاريع الاستخراجية التي تهدد أراضيهم.6 وقد حالت القوات العسكرية البرازيلية، المجهّزة بعتاد مكافحة الشغب، دون دخول المتظاهرين، بينما شكّل ناشطون آخرون سلاسل بشرية تضامنًا معهم.7

وقد اصطدم الترحيب الاستعراضي بالواقع التشغيلي: فوجود جسد المحتج يُعدّ تهديدًا لمسار العملية نفسها. وقد ظهر ذلك جليًا في الرسالة المسرّبة من سيمون ستيل، الأمين التنفيذي للاتفاقية الإطارية، والتي اعتبرت وجود الشعوب الأصلية تهديدًا أمنيًا، وطلبت من رئاسة المؤتمر ضمان “السلامة والأمن” بحجة أن وجودهم عند مداخل القاعات يشكّل خطرًا على الوفود. إن هذا التطبيق الجسدي للحدود كشف هرمية المشاركة بوضوح. فبعض الأجساد يُمنَح حق الدخول والتفاوض، وأجساد أخرى يُسمح لها بأداء هويتها ضمن مساحة مخصّصة، لكن هذه الأجساد ذاتها تُخضع للضبط والإقصاء حين تحاول الانتقال من موقع الرمز إلى موقع الفاعل.

الثمن المدفوع الأخير كانت لغوية، وقد ظهرت في القرار الختامي المعنون: “الموتيران العالمي”، حيث تشير كلمة موتيران إلى الجهد الجماعي التشاركي. لكن النص اعتمد على أفعال غير ملزمة: يدعو، يحث، يشجع. وغابت صيغة الإلزام “يجب”. وحتى الوعد بمضاعفة تمويل التكيف ثلاث مرات لم يُرفَق بمصدر واضح أو التزام بأن يكون التمويل عامًا أو قائمًا على المنح. أما الجندر وحقوق الإنسان—بعد سنوات من المطالبة—فأُعيدت إلى الديباجة، أي إلى مساحة الاعتراف دون التزام. فما معنى أن تُنقل الحماية الأقوى للفئات الأكثر هشاشة من مجال التنفيذ إلى مجال التمنّي؟

إن مفهوم موتيران—أي الجهد الجماعي التبادلي—أُعيد تقديمه بشكل معكوس: فقد تحوّل إلى عرض عالمي للوحدة يرتكز على الانقسام. وبذلك يظهر السؤال المركزي: كم مرة يجب أن ندفع ثمن الأزمة؟

:فالثمن المدفوع ليست سلسلة منفصلة، بل نظامًا متشابكًا

  • دفع عبر تمويل الأرض والعمل
  • دفع عبر تفريغ الالتزامات القانونية من مضمونها
  • دفع عبر العزل المكاني لمن يُفترض أنهم في المركز
  • دفع عبر السيطرة الجسدية على مشاركتهم

كل ثمن اتدفع تُرسّخ البنية نفسها. ولم يفشل “مؤتمر الشعوب الأصلية” رغم شعاره؛ بل كشف النتيجة الحتمية لذلك الشعار. فوضْع الهويّة الأصلية في مركز الخطاب وفّر غطاءً أخلاقيًا يسهّل إدارة هذه الهويّة والسيطرة عليها واستغلالها ماليًا. ولم تكن الأسوار، ولا الأفعال الضعيفة، ولا مخططات السندات، إخفاقات في التنفيذ، بل كانت سماتٍ لنظام صُمِّم لإدارة الأزمة دون المساس ببنية السلطة.

والسؤال الأخير الذي يظلّ معلّقًا هو سؤال معرفي في جوهره. فعملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي لا تعترف إلا بأشكال معيّنة من المعرفة—التقنية والمالية والدبلوماسية—بوصفها المعرفة “الشرعية”. وهي تؤطّر التمويل المناخي كأحجية معقدة لا يمكن حلّها إلا على يد الخبراء والأدوات المالية. وفي المقابل، تُعامَل معرفة حماة الأرض، وخبرة عاملات وعمال الرعاية، والتجارب المعيشة للمجتمعات الواقعة في الخطوط الأمامية على أنها روايات جانبية أو عاطفية أو “سياقية”؛ يُسمح بالاعتراف بها ربما، ولكن لا يُسمح لها بأن تحدّد النتائج.

وهذه الهرمية المعرفية هي الأساس الذي تستند إليه “المدفوعات” الأخرى. فإذا كانت المعرفة الوحيدة المعترف بقيمتها هي معرفة كيفية تصميم سند مالي، فإن الحلول الوحيدة المسموح بها ستكون تلك التي يمكن تحويلها إلى سند مالي. فما الذي يحدث للأزمة حين تُمنَع حلولها—بنيةً ومضمونًا—من تحدّي المنطق الذي ولّدها؟

لم يُقدّم مؤتمر الأطراف الثلاثين أي إجابات. بل صقل الأسئلة وجعلها أكثر حدّة وإلحاحًا. ولم يكن الأثر الأعمق في أي نصّ صدر عنه، بل في وضوح التناقض الذي عرضه: تجمع عالمي من أجل إنقاذ الكوكب، مُهندَس بدقة ليمنع أي فرصة فعلية لتحقيق هذا الإنقاذ.

ملاحظة: استُخدم الذكاء الاصطناعي لتحرير اللغة والقواعد*


  1.  World Resources Institute, “The Tropical Forests Forever Facility Could Finally Finance Nature Conservation,” https://www.wri.org/insights/financing-nature-conservation-tropical-forest-forever-facility
  2. TFFF Official Website, “About TFFF,” https://tfff.earth/about-tfff/
  3. Global Witness, “Inside private sector plans to shape the TFFF,”  https://globalwitness.org/en/campaigns/forests/banking-on-forests-inside-private-sector-plans-to-shape-the-tropical-forests-forever-facility/
  4. Cultural Survival, “Despite Record Indigenous Presence at Brazil COP30 Climate Summit Sparks Frustration Over Exclusion,” https://www.culturalsurvival.org/news/despite-record-indigenous-presence-brazil-cop30-climate-summit-sparks-frustration-over
  5.  Cultural Survival, “The End of COP30 in Brazil: Indigenous Peoples and Multilateralism,” https://cs.org/news/end-cop30-brazil-indigenous-peoples-and-multilateralism
  6.  JURIST, “Indigenous groups in Brazil protest at COP30,” https://www.jurist.org/news/2025/11/indigenous-groups-in-brazil-protest-at-cop30/
  7.  PBS NewsHour, “‘No one enters, no one leaves.’ Protesters block main entrance to COP30 climate talks in Brazil,” https://www.pbs.org/newshour/world/no-one-enters-no-one-leaves-protesters-block-main-entrance-to-cop30-climate-talks-in-brazil